أرخت عملية المقاومة في الخليل بظلالها على «عشاء» إطلاق مفاوضات التسوية في البيت الأبيض، ما خلق أجواء من التوتّر تمثّلت بالتهديد بالانسحاب من المفاوضات قبل بدئها، إلا أن ذلك لم يمنع المبعوث الأميركي جورج ميتشل من التبشير باتفاق سلام يمتد إلى لبنان وسوريا

التوتّر يرافق إطلاق المفاوضات



أطلق الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس المفاوضات المباشرة بعشاء في واشنطن جمع فيه الرئيسين الفلسطيني محمود عبّاس والمصري حسني مبارك والملك الأردني عبد الله الثاني إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في وقت كان فيه الملف الأمني العنصر الأبرز في اللقاءات الثنائية التي سبقت العشاء الجماعي.
وبعد لقائه الثنائي مع نتنياهو، الذي دام 90 دقيقة، دان أوباما «المجزرة العبثية» التي أدّت الى مقتل أربعة إسرائيليين في الضفة الغربية، مؤكداً أن المتطرفين «لن يقوضوا عملية الحوار السلمي المباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين». وأضاف «أريد أن يعرف العالم أجمع أن الولايات المتحدة لن تضعف في دعمها لأمن إسرائيل، وسنصدّ هذا النوع من الأنشطة الإرهابية».
بدوره، قال نتنياهو إن «إسرائيل ستطلب في المحادثات ترتيبات أمنية لوقف التهديدات الموجهة إلى أمنها»، متجنبّاً الحديث عن الاستيطان الذي طفا إلى السطح مع قرار مجلس المستوطنات في الضفة الغربية استئناف البناء اعتباراً من مساء أمس رداً على هجوم الخليل.
قرار رأى فيه الفلسطينيون استفزازاً. وقال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل بو ردينة إن «الاستيطان يجب أن يتوقف واستمراره سينهي عملية السلام ويحكم على المفاوضات بالفشل قبل أن تبدأ». وأضاف «نحن بانتظار أن نستمع إلى الموقفين الأميركي والإسرائيلي النهائيين في هذا الموضوع». وأكد «لن نتنازل عن شيء في واشنطن».
وفيما لم يتضح الموقف الأميركي بعد، إلا أن الموقف الإسرائيلي كان صارماً. فقد أعلن نتنياهو، بعد لقائه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أنه «لن يمدّد تجميد بناء المستوطنات اليهودية الذي ينتهي العمل به نهاية أيلول الجاري». ونقل بيان صادر عن مكتبه قوله لكلينتون خلال اجتماع الثلاثاء «من المستحيل بحث قضية المستوطنات في الضفة، وهي إحدى قضايا الاتفاق النهائي، والتعامل معها على نحو منفصل في بداية المحادثات المباشرة».
الأجواء المتوتّرة التي رافقت عملية إطلاق المفاوضات لم تمنع المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، من أن يرى أن هناك «فرصة نادرة» تلوح للإسرائيليين والفلسطينيين للتوصل إلى اتفاق سلام تاريخي في غضون عام. وذكرت شبكة «سي أن أن» الأميركية أن ميتشل قال أول من أمس إن الرئيس الأميركي باراك أوباما «واثق من إمكان التوصل إلى اتفاق نهائي في غضون عام»، مضيفاً «أعتقد أن هذا واقعي». وتعهّد ميتشل بأن «تبذل بلاده كل ما في وسعها للتوصل إلى اتفاق سلام شامل». وشدد على وجود حاجة إلى «مشاركة نشطة ومتواصلة من الولايات المتحدة كي لا نكون على الهامش، نصفّق للطرفين، من دون مشاركة نشطة».
وتابع ميتشل إن الولايات المتحدة «تسعى دائماً إلى إطلاق مفاوضات سلام بين إسرائيل من جهة، وكل من سوريا ولبنان من جهة أخرى». وقال «في ما يتعلق بسوريا، جهودنا مستمرة في محاولة لدفع إسرائيل وسوريا إلى محادثات تؤدي إلى سلام، وكذلك الأمر بين إسرائيل ولبنان».
ورداً على سؤال عن تجميد الاستيطان في الضفّة، قال ميتشل «موقفنا من المستوطنات معروف جيداً ولم يتغيّر. لطالما أوضحنا للطرفين أن عليهما نشر أجواء إيجابية للمفاوضات».
وفي سياق الجدول الزمني للمفاوضات بعد افتتاحها الرسمي صباح أمس، أشارت مصادر أميركية إلى أن المسؤولين الأميركيين يأملون عقد الجلسة الثانية من المفاوضات في مصر في منتصف أيلول الجاري، بمشاركة كلينتون وميتشل، على أن يعقب ذلك اجتماع آخر بين أوباما وعباس ونتنياهو على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل نهاية الشهر الجاري. وأضافت إن واشنطن «تدعم فكرة نتنياهو بعقد المباحثات كل أسبوعين».
في هذا الوقت، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أن «إسرائيل مستعدة للتخلي عن أجزاء من مدينة القدس للفلسطينيين في إطار اتفاق سلام». وقال لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إن «تقسيم القدس سيشمل نظاماً خاصاً لإدارة المواقع المقدسة بالمدينة». وشرح «ستكون القدس الغربية و12 حياً يهودياً يقطن فيها 200 ألف لنا. وستكون الأحياء العربية حيث يعيش نحو ربع مليون فلسطيني لهم». وأضاف «سيطبق نظام خاص وترتيبات متفق عليها في الحي القديم وجبل الزيتون ومدينة داود»، وهو ما ردّ عليه أحد مساعدي نتنياهو بالقول إن «القدس ستبقى عاصمة موحدة لإسرائيل».
في المقابل، أعلن عباس أن المطلوب من الإدارة الأميركية «تقديم مقترحات في حال وصول هذه المفاوضات إلى مأزق». وأشاد في مقابلة مع صحيفة «الأيام» بـ«جهود أوباما لإحلال السلام في المنطقة». وأعرب عن استعداده «لتطبيق اتفاق السلام المنوي التوصل إليه على مراحل، على أن تنتهي جميعها في فترة قصيرة، لا في سنوات طويلة».
بدوره، اقترح الرئيس المصري حسني مبارك، في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «خطة سلام في متناول يدنا»، «نشر قوات دولية على حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية لمدة يتفق عليها بين أطراف تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، كخطوة لإعادة بناء الثقة والإحساس بالأمن».
وتابع مبارك إن «المفاوضات السابقة حسمت بالفعل العديد من التفاصيل الخاصة بالوضع النهائي للاجئين والحدود والقدس والأمن»، موضحاً أن «أكبر عقبة تقف الآن في طريق النجاح هي عقبة نفسية تتمثل في التأثير المتراكم لسنوات العنف وتوسيع المستوطنات»، مشيراً إلى أن «المستوطنات والسلام لا يلتقيان».
وفي ردود الفعل، هاجم رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، إسماعيل هنية، المفاوضات المباشرة، وقال إنها «بلا غطاء وطني وتجرى تحت الإكراه والضغط».
وانتقد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد استئناف المفاوضات، معتبراً أنها «لن تؤدي إلى إنهاء النزاع في الشرق الأوسط»، فيما دعت الخارجية التركية الطرفين إلى «تفادي أعمال أحادية قد تقوّض عملية المفاوضات».
(يو بي آي، أ ف ب، رويترز، الأخبار)

الاحتلال يغلق الخليل... والسلطة تعتقل 250 «حمساويّاً»ولّدت عملية الخليل حالة استنفار إسرائيلية شاملة، فأغلقت المنطقة وشنّت حملة اعتقالات، عاونتها بها السلطة الفلسطينية عبر اعتقال العشرات من عناصر «حماس» وقيادييها في مناطقها
لليوم الثاني على التوالي، نفّذت المقاومة الفلسطينية، ليل أمس، عملية شبيهة بتلك التي أودت بحياة أربعة مستوطنين إسرائيليين في الخليل، أول من أمس، لكن هذه المرة قرب مستوطنتَي كوشاف هشاشر وريمونيم قرب رام الله. وفي بيانه، لم يعترف جيش الاحتلال سوى بجرح مستوطنَين اثنين كانا يستقلان سيارتهما قبل أن تصيبهما رصاصات المقاومين.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد وُضعت في حالة تأهب في الخليل حيث نفّذت المقاومة هجوماً أدى إلى مقتل أربعة إسرائيليين، فيما استهدفت السلطة الفلسطينية عناصر «حماس» في الضفة بحملة اعتقالات طالت أكثر من 250 عنصراً، بينهم قياديون.
وعمد جنود الاحتلال إلى إغلاق أجزاء من الضفة الغربية وإقامة حواجز تفتيش على الطرقات، وقام بعمليات تفتيش من منزل إلى منزل في قرى قضاء الخليل قرب مستوطنة «كريات أربع»، حيث قُتل أربعة مستوطنين.
وقال رئيس الأركان الإسرائيلي، غابي أشكينازي، إنه يقوم مع ضباط آخرين «بتقويم الوضع العملاني» في المنطقة. وأضاف: «نعمل على مستويات عدة منذ وقوع الحادث، وسنواصل العمل إلى أن نصل إلى الإرهابيين».
بدوره، قال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، خلال اجتماع في مقر القيادة الوسطى للجيش الإسرائيلي، إن «الجيش سيعمل كل شيء ممكن لجلب المنفذين أمام العدالة بسرعة، ومنع شنّ سلسلة من الهجمات الإرهابية». ودعا مسؤولي المستوطنات، وخاصة مستوطنة بيت حغاي إلى التصرف بعقلانية ومسؤولية.
دعوة باراك تأتي بعدما استغل مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية «يشع» الهجوم، ليدعو إلى الاستئناف الفوري لأعمال البناء في مستوطنات الضفة، من دون انتظار انتهاء مفاعيل القرار الحكومي بتجميد التوسع في هذه المستوطنات في 26 أيلول. وقال، في بيان، إن «الرد الوحيد لإظهار تصميمنا على مكافحة الإرهاب هو التزامنا بالبناء، وعلينا إنهاء هذا التجميد العبثي فوراً».
من ناحيتها، شنّت السلطة الفلسطينية فور وقوع الهجوم حملة اعتقالات واسعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها جنوب الضفة، شملت 55 شخصاً من أنصار حركة «حماس»، بحسب ما أعلنت السلطة. غير أن «حماس» كانت لها أرقام أخرى، إذ أعلنت اعتقال نحو 250 ناشطاً، بينهم أقارب قيادات في الحركة. وقالت في بيان: «شنّت أجهزة (الرئيس الفلسطيني محمود) عباس حملة اختطافات ودهم واستدعاءات واسعة جداً على حركة «حماس» وقيادييها وأنصارها في جميع محافظات الضفة المحتلة».
وأشارت إلى أن الأجهزة الأمنية دهمت منازل تعود لنواب وقياديين ورموز ونشطاء في الحركة و«اختطفت العشرات ممن استطاعت اختطافهم، فيما سلّمت ذوي المئات ممن لم تجد أبناءهم أو أزواجهم استدعاءات فورية».
وذكرت أنه «استُدعي عدد من الأسيرات المحررات في سلفيت وقلقيلية، وما زالت الحملة مستمرة». وقالت إن بين المعتقلين قادة بارزين منهم: القيادي عبد الباسط الحاج، والقيادي خالد الحاج والشيخ يحيى زيود وجميعهم من جنين. إضافة إلى عدد من أبناء نواب «حماس» وأقاربهم، منهم: ابن النائب فتحي القرعاوي، حازم، وابن النائب رياض رداد، أحمد، وشقيق النائب محمد الطل. وقالت إنه دُهم منزلا القياديين البارزين ناصر عبد الجواد، ووزير المال الأسبق، عمر عبد الرازق، بهدف اعتقال نجليهما.
وأدانت السلطة السياسية في رام الله الهجوم. ورأى رئيس حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية، سلام فياض، في بيان، أن العملية «تتعارض مع المصالح الفلسطينية». وأضاف أن «العملية وتوقيتها يستهدفان الجهود التي تقوم بها منظمة التحرير الفلسطينية لحشد الدعم الدولي للموقف الفلسطيني».
ورغم وقوع العملية في المناطق التي تقع خارج المسؤولية الأمنية الفلسطينية، إلا أن فياض أكد أن السلطة الوطنية ستواصل اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بمنع تكرار مثل هذه الأحداث.
ولقيت تصريحات فياض ردّة فعل من «حماس»، إذ رأى المتحدث باسمها، سامي أبو زهري، أن «تصريحات فياض دليل على التكامل الأمني بين الاحتلال وسلطة «فتح»، وأن أجهزته الأمنية حامية للاحتلال».
ومن واشنطن، حيث مقر استئناف المفاوضات المباشرة، صدرت بيانات الإدانة. فتوعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمعاقبة المسؤولين عن سفك «دماء المدنيين الإسرائيليين». وقال إن «سفك دماء المدنيين الإسرائيليين لن يبقى من دون عقاب».
وحذر البيت الأبيض «أعداء السلام» من محاولة تقويض جهود السلام. ورأت وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، أن الهجوم يدلّ على «وحشية همجية لا مكان لها في أي بلد كان وفي أي ظرف كان». وأضافت أن نتنياهو أتى إلى واشنطن بهدف القضاء على «قوى الدمار» عبر التفاوض المباشر مع الفلسطينيين.
ولم يحرم رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، نفسه فرصة إدانة الهجوم، مشيراً إلى أنه يهدف إلى «التشويش على العملية السياسية» عشية استئناف المفاوضات المباشرة.
وفي المواقف الدولية المتضامنة الأخرى، نددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون بما وصفته بـ«الهجوم الإرهابي»، مؤكدةً أن الاتحاد لن يسمح «لأعداء السلام» في الشرق الأوسط بفرض قانونهم، فيما حض وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إسرائيل والفلسطينيين على ضبط النفس وعدم الرضوخ لـ«استفزازات المتطرفين المعادين للسلام».
أما الصحف الإسرائيلية، فأجمعت على أن الهجوم هدفه إرباك قمة واشنطن، وأنه يعزز المطالب الأمنية للدولة العبرية.
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز، أ ب)