طاقم كامل من المسؤولين الأميركيين كانوا موجودين في العراق أمس. إحياءً لاحتفال «تغيير المهمات الأميركية» من جهة، وتنصيب جنرال احتلال جديد من ناحية أخرى. وعلى الطريق، ضغوط لإنهاء ملف الحكومة العتيدةأغلب الظن أنّ العراقيين تمنّوا لو أنّ كل يوم يكون موعداً لتغيير المهمة الأميركية في بلادهم على شاكلة ما حصل أمس، بما أن الاستنفار الأمني الذي رافق الذكرى أجدى في تجنيب العراق حفلة دم يعيشها العراقيون يومياً منذ 7 سنوات. ولعلّ وجود كبار مسؤولي الادارة الأميركية في بلاد الرافدين أسهم في حالة اليقطة الأمنية التي أدت إلى هدوء لافت، لم يخرقه سوى مقتل عراقي في بعقوبة عاصمة محافظة ديالى، وإصابة قاعدة أميركية في المحافظة بصواريخ، إضافةً إلى سقوط طائرة أميركية من دون طيار «لأسباب فنية» في المنطقة نفسها. عدا ذلك، فإنّ الاحتفال الرسمي بانتقال قيادة جيش الاحتلال من ريمون أوديرنو إلى لويد أوستن مرّ بهدوء، على وقع كلمات الرئيس باراك أوباما التي مزجت بين الموقف الأمني واستعجال تأليف حكومة جديدة في بغداد. كلمات حاول نائبه جوزف بايدن ووزير دفاعه روبرت غيتس ترجمتها في اجتماعاتهما المتواصلة مع المسؤولين العراقيين، التي لم يرشح عنها إلا «توقُّع» بايدن أن تكون ولادة الحكومة قريبة.
وأعرب بايدن، لشبكة «سي بي إس» التلفزيونية الأميركية، عن اعتقاده بأنّ العراقيين اقتربوا من تأليف حكومة، مشيراً إلى أنه تحدث مع كل القادة الكبار «وأنا مقتنع تماماً بأنهم اقتربوا من القدرة على تأليف حكومة، التي ستكون حكومة تمثل نتيجة الانتخابات التي كانت مقسمة تقسيماً كبيراً».
في هذا الوقت، كان أوباما يلقي كلمته في واشنطن، عند الثالثة من فجر أمس، حيث أعلن أن «عملية حرية العراق انتهت رسمياً، والعراقيون أصبحوا مسؤولين عن أمن بلدهم بعدما سحبنا نحو مئة ألف جندي أميركي من العراق، وأغلقنا مئات القواعد أو سلمناها إلى العراقيين». وحضّ أوباما المسؤولين العراقيين على «التقدم بسرعة لتأليف حكومة تمثل كل أطياف المجتمع». وعن مستقبل تعاطيه مع الملف العراقي، حذّر من أن العنف «لن ينتهي بانتهاء مهمتنا القتالية، فالمتطرفون سيواصلون تفجير القنابل وتنفيذ الهجمات ومحاولة بث الفرقة، لكنهم لن يحققوا غاياتهم»، كاشفاً أن الولايات المتحدة «لن تترك العراق، وستساعده عندما يطلب منها ذلك».
وفي السياق، رأى الوزير غيتس، خلال لقاء مع الضباط والجنود في قاعدة الأسد الجوية في محافظة الأنبار، أنّ «صفحة الحرب في العراق أصبحت بحكم المطويّة»، من دون أن ينسى التذكير بكلام رئيسه عن أنّ «واشنطن ستواصل العمل مع العراقيين في مكافحة الإرهاب، إضافةً إلى تقديم الكثير من النصائح والتدريب».
ورداً على سؤال عما إذا كانت الحرب تستحق «التضحيات»، أجاب بأنّ الأمر «يعود إلى المؤرخين، فمشكلة الحرب تكمن في أن الاسباب التي قُدِّمَت لتبريرها (وجود أسلحة دمار شامل وصلات نظام صدام حسين بتنظيم القاعدة) لم تكن صالحة». وختم غيتس رأيه باعتبار أن «النتيجة جيدة من وجهة النظر الأميركية، لكنها ستبقى مضلِّلة بسبب بداياتها».
وكرر وزير الدفاع الأميركي موقف بلاده المستعد لإبقاء جيشه إلى ما بعد الموعد المتفق عليها، وهو نهاية عام 2011، «شرط توجيه الحكومة العراقية طلباً بهذا الخصوص».
على صعيد آخر، تواصلت المواقف الخارجية من «تغيير المهمة الأميركية في العراق»؛ فقد رأت صحيفتا «البعث» و«الثورة» السوريتان الحكوميتان أنّ انسحاب القوات القتالية الأميركية من العراق «خطوة مهمة لكنها ناقصة». ولفتت «البعث» إلى أن هذا الانسحاب «خطوة مهمة على طريق استعادة العراق لكرامته وسيادته، لكنها ستظل خطوة ناقصة ولا تعدو كونها ذراً للرماد في العيون، لأن القوات الأميركية تغادر العراق تاركة خلفها بلداً مدمراً وخمسين ألف جندي و94 قاعدة عسكرية موزعة في كل أنحاء البلاد».
وخلصت الصحيفة إلى أنّ «الانسحاب وفق هذه المعطيات شكلي ولا يغير من واقع الأمر شيئاً وأقرب ما يكون لعملية إعادة نشر القوات وتغيير قواعد اللعبة».
من جهتها، تساءلت «الثورة»: «هل يستطيع العراق أو الحكومة العراقية أن تقرر ما يخالف الرغبات الأميركية؟».
في هذا الوقت، دعا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى محاكمة المسؤولين عن الاحتلال الأميركي للعراق، وتعويض الشعب العراقي، بعدما رحّب بالخطوة الأميركية. لكنّ نجاد عاد ليذكّر بأنّ الأميركيين «لم يقولوا إنهم يريدون الانسحاب، لقد أعلنوا بقاء 50 ألف جندي كما يريدون استبدال القوات المنسحبة بعشرات الآلاف من عناصر الشركات الأمنية».
وفيما وصف تقليص القوات الأميركية بـ«الخطوة الإيجابية»، نبّه من أنّها غير كافية «ما لم تتراجع التدخلات الأميركية في شؤون هذا البلد».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)