موسكو ــ حبيب فوعانيخاص بالموقع - وصل وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، إلى العاصمة الروسية موسكو، فيما كشفت مصادر إسرائيلية عزم باراك على محاولة عرقلة تنفيذ صفقة صواريخ «ياخونت» المضادة للسفن إلى سوريا.
ووصف مصدر إسرائيلي الزيارة لصحيفة «هآرتس»، بأنها «تاريخية وفائقة الأهمية»، ولا سيما أن وزارة الدفاع الروسية كانت دائماً «معقل دعم للدول العربية».
وبالفعل، فقد تعودت موسكو منذ إعادة إقامة العلاقات مع تل أبيب عام 1990 استقبال رؤساء الوزراء الإسرائيليين، الذين كانوا ينقلون إليها قلقهم من تعاونها العسكري مع دول المنطقة.
وما يجري الآن، يشبه تماماً ما حدث قبل 5 أعوام عندما طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أرييل شارون، شخصياً، من الرئيس الروسي آنذاك، فلاديمير بوتين، إلغاء صفقة صواريخ «إسكندر ـ إ» الحديثة التكتيكية والبالغة الدقة إلى دمشق.
وقال الإسرائيليون آنذاك، إن الصواريخ، التي يبلغ مداها 280 كيلومتراً، ستكون قادرة في حال نشرها في الجولان على إصابة إي هدف في إسرائيل، بما في ذلك صحراء النقب حيث يقع المفاعل النووي الإسرائيلي.
وكان وزير الدفاع الروسي، سيرغي إيفانوف، اتهم مطلع 2005 قبيل زيارة بوتين لتل أبيب حكومة شارون بالكذب، نافياً وجود أي نية لتزويد دمشق هذه الصواريخ، غير أن الرئيس الروسي أعلن بعد ثلاثة أشهر في تل أبيب، بأن «عسكريينا كانوا ينوون توريد» هذه الصواريخ، لكن «بالنظر إلى قلق وتمنيات الشركاء» فقد أوقف هو الصفقة.
وبالنسبة إلى صفقة صواريخ «ياخونت» أو قاتلة السفن كما يسميها العسكريون، فقد بدأ الأمر كالعادة بتسريبات إعلامية إسرائيلية في تشرين الأول الماضي، حين تحدثت صحيفة «معاريف» عن صفقة صواريخ روسية ـ سورية في إطار اتفاقية تعاون عسكري بين دمشق وموسكو، تقضي أيضاً بتوسيع ميناء طرطوس لإعادة مرابطة السفن العسكرية الروسية هناك.
وذكرت «هآرتس» من ناحيتها الشهر الماضي، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مهد لزيارة باراك باتصال هاتفي في 20 آب الماضي مع بوتين، لثني الجانب الروسي عن تزويد سوريا بالصواريخ الروسية.
ومع أن الحكومة الروسية أكدت على موقعها الإلكتروني الاتصال الهاتفي، الذي «تناول التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين»، فإنها لم تؤكد التطرق إلى توريد الصواريخ الروسية إلى سوريا. لكن مصدراً إسرائيلياً ذكر للصحيفة، أن «إسرائيل وروسيا تجريان حواراً خفياً حول تصدير الأسلحة إلى المنطقة»، مضيفاً أنه بالنظر إلى أن المفاوضات المستمرة منذ عام، لم تؤد إلى نتيجة، «فقد اتخذ قرار برفع مستوى النقاش بمساعدة شخصية سياسية جدية»، مثل باراك.
من جهته، اتهم المستشار الرئاسي، سيرغي بريخودكو، وسائل الإعلام الإسرائيلية بتشويه موقف موسكو من التعاون العسكري مع دمشق، مشدداً على أن بلاده «تعمل على نحو كاملً على تنفيذ كل الاتفاقيات المعقودة في وقت سابق مع سوريا».
في غضون ذلك، عادت وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى التلويح بإمكان تزويد موسكو بطائرات من دون طيار، مثل تلك، التي استخدمتها جورجيا ضد روسيا في حرب عام 2008.
وعلى عكس وزير الدفاع «المدني»، أناطولي سيرديوكوف، الذي جاء من تجارة الموبيليا، (وقف وراء الاقتراح بتزويد بيروت بطائرات الميغ، التي لا تصلح لبلد مثل لبنان)، لا يريد العسكريون شراء الطائرات الإسرائيلية ويطالبون باعتماد الأموال اللازمة لتطوير صناعة هذه الطائرات في روسيا.
إضافة إلى ذلك، قامت إسرائيل بـ«رد الجميل» لروسيا في عام 2008، حين شارك «خبراؤها» وأسلحتها في حرب الأيام الخمسة مع جورجيا ضد روسيا.
في هذه الاثناء، أكد معهد الأبحاث الدفاعية السويدي FOI في تقرير، بعد الحرب في القوقاز الدور الكبير للعسكريين الإسرائيليين في جورجيا، الذين ناهز عددهم ألف خبير، والذين شاركوا مباشرة وفقاً للتقرير في المعارك ضد الجيش الروسي.
هذا، ويتشكك المحلل السياسي الروسي، فلاديمير أورلوف، في أن تجري الأمور هذه المرة كما جرت قبل 5 سنوات، إذ إن «موسكو تدرك أن نتنياهو، الذي قام بزيارة سرية للعاصمة الروسية قبل عام تماماً لمنع إتمام صفقة منظومة صواريخ الدفاع الجوي «إس ـ 300» إلى إيران، يحاول الآن إخضاع موسكو لرغباته».
ويرى أورلوف أن تنازلاً كبيراً للجانب الإسرائيلي خلال زيارة باراك بعد أربعة أيام من إعلان بدء المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية المباشرة في واشنطن، ستظهر روسيا في عيون العالم العربي لاعباً بعيد بالتساوي عن جميع الأطراف، الأمر الذي لا تريده موسكو.
وانتقدت صحيفة «كومسومولسكايا برافدا»، بحدة، محاولات إسرائيل للتدخل في شؤون تصدير الأسلحة الروسية، وقالت: «يبدو أن روسيا عما قريب ستكف عن بيع الأسلحة لأي دولة لا تعجب إسرائيل. فمثلاً، أرادت روسيا منذ وقت غير بعيد بيع إيران منظومة صواريخ الدفاع الجوي «إس ـ 300» الدفاعية، التي لا تقع تحت طائلة أي عقوبات للأمم المتحدة، ومع ذلك وعندما لم يبق أمام البائع الروسي والمشتري الإيراني سوى التوقيع والشد على الأيادي، هرع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو وأقنع بائعينا بالامتناع عن الصفقة (باعتبارها خطوة غير ودية)».
وتتابع الصحيفة أن «نزوة جديدة ظهرت لدى إسرائيل»، فهي تريد الآن عرقلة صفقة صواريخ «ياخونت» إلى سوريا، والذريعة «هي إمكان أن تقع في أيدي «حزب الله». وباعتبار أن هذا الاستنتاج جيوسياسي خالص لا تأخذه روسيا في الاعتبار وتتابع إعداد الاتفاق المربح مع سوريا، ها هو وزير الدفاع الإسرائيلي يسرع إلى موسكو».
وحذرت الصحيفة الروسية الواسعة الانتشار من أن الخضوع لـ«الإملاءات الإسرائيلية» لن يؤدي فقط إلى قطع روسيا لروابطها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع المنطقة، بل إلى فقدان إيرادات مالية ضخمة في نهاية الأمر.
وفي ما يتعلق بصاروخ «ياخونت» (ياقوت ـ باللغة الروسية القديمة)، فإنه صاروخ فائق الدقة مضاد للسفن متوسط المدى، بدأ صنعه في السبعينيات من القرن الماضي، وتبلغ سرعته 750 متراً في الثانية وتفوق سرعة الصوت بأكثر من مرتين.
يستطيع «ياخونت» التحليق على ارتفاع بضعة أمتار فوق سطح البحر، ما يجعل اكتشافه صعباً على الرادارات. أما وزنه فيبلغ 250 كيلوغراماً ومداه ما بين 120 ـ 300 كيلومتر.