الناصرة المحتلة | بينما يتعامل الإسرائيليون مع نظامهم على أنه ديموقراطيّ في شرق أوسط يعاني أنظمة مستبدة وقمعيّة، فإن منظومتهم الاجتماعية، وأيضاً الخدماتية، تظهر عكس ذلك. من آخر الأمثلة على ذلك أزمة المدارس الأهلية العربية المسيحية، التي يبلغ عدد طلابها قرابة 33 ألفاً.
هذه المدارس قررت مطلع العام الدراسي الجاري ــ يبدأ في الأول من أيلول ــ إعلان الإضراب المفتوح بعد ثمانية أشهر من المفاوضات مع وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، في ظل أنها تعاني ضائقة اقتصادية بسبب الضغوط والتقليصات التي تفرضها عليها الوزارة، في محاولة لجعلها مدارس رسميّة، ما يساعد تل أبيب أكثر في السيطرة على المناهج والتعيينات وطرق إدارة تلك المؤسسات التي دوماً برز طلابها العرب، مسلمين ومسيحيين، على مدار السنوات الماضية.
يقول رئيس «الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية»، وهي الجهة المسؤولة إدارياً عن تلك المدارس، الأب عبد المسيح فهيم، إن المفاوضات تجري على قدم وساق، ملمّحاً إلى أن «تعنّت وزارة التعليم قد يجهض تلك المحاولات». وذكر فهيم أن «وفداً من الأمانة كان اليوم (أمس) في الكنيست الإسرائيلي للضغط على النواب أملاً في أن يتوجهوا بدورهم إلى التعليم لتغيير موقفها». ولفت أيضاً إلى «لقاء سيجمع بين رئيس إسرائيل رؤوفين رفلين، والبابا فرنسيس الأول، في الفاتيكان قريباً، وستتصدره أزمة المدارس الأهلية».
لكن الأب فهيم لا يرى أن الأزمة الحالية قد تؤدي إلى أخرى دبلوماسية بين إسرائيل والفاتيكان، مؤكداً أن «الأزمة الحقيقية هي بين إسرائيل ومواطنيها، بسبب التمييز الصارخ في جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي وتفضيله الطالب اليهودي على العربي، علماً بأن مطالب الأمانة العامة هي تعامل الوزارة مع مؤسساتنا كما تتعامل مع المدارس الدينية اليهودية، التي تحصل على دعم مالي كامل إلى 100%، وتحافظ على استقلاليتها من حيث المضامين والتعليم».
وكانت «التعليم» الإسرائيلية قد قلصت في السنوات الأخيرة الميزانيات للمدارس الأهلية إلى 29% من أصل ما تستحقه، وهو ما رأى فيه فهيم استهدافاً لمدارسهم بسبب تميزها وتفوق طلابها، مضيفاً: «مشكلة إسرائيل مع مدارسنا ليست في أنها مسيحية، فأصلاً ليس هناك برامج تبشيرية تقريباً، كذلك من ضمن طلابنا مسلمون».

تحاول إسرائيل فرض مناهجها على المدارس المسيحية

وتابع: «مشكلتهم أننا نرفض سياسة التدجين التي تنتهجها الوزارة في المدارس الرسميّة، فعند محاولتها فرض أي موقف، سياسي بالغالب، تجد أن الأبواب لدينا موصدة وغير متاحة لها». كذلك شدد الأب على أن مجمل المطالب للأمانة العامة هي «مُستحقات تحصل عليها المدارس الأخرى، خاصة التابعة للمتدينين»، نافياً وجود أي مطلب برفع أقساط التعليم للطلاب كما تشيع الوزارة.
ويرى القائمون على هذه المدارس أن قيمتها راسخة في اتفاق مبدئي بين الكرسي الرسولي وإسرائيل، جرى توقيعه عام 1993. وينص الاتفاق على ثبات الوضع القائم في العلاقات بين إسرائيل والمؤسسات التعليمية المسيحية.
إثر ذلك، نظم أهالي طلاب تلك المدارس عدة تظاهرات، في الناصرة والقدس المحتلة والرملة وشفاعمرو وحيفا. ويقول أحد أولياء الأمور في مدرسة «راهبات الناصرة»، ويدعى فادي سويدان، إن «الأهالي يدعمون نضال الأمانة العامة للمدارس الأهلية المسيحية، بل نطلب منهم الاستعانة بنا لدفع النضال نحو تحقيق المطالب... هذه أزمة 33 ألف طالب، وهو عدد ليس قليلاً».
وأوضح سويدان أنه بادر أول من أمس (يوم افتتاح السنة الدراسية) مع عددٍ من الأهالي إلى تظاهرة في حيفا، واتصلوا بوزارة التعليم للسؤال عن مصير الطلاب، لكن الرد جاء بأن الوزارة لا تعرف أي شيء عن الإضراب، ما اضطرهم إلى نقل الاحتجاج أمام مقرها. ولكنه أبدى انزعاجه من «تكتم الأمانة العامة على مصير المفاوضات، كذلك فإنها لا تتوجه إلى الإعلام بالشكل الصحيح، ما يحوّل نضالها إلى هش ومتقوقع في إطار ديني بعيد عن الحقوق المدنية».
معلمو المدارس أيضاً ساندوا «الأمانة العامة»، وذلك لأن «مضامين تلك المدارس، والدارج تسميتها بالمسيحية، تقضُّ مضاجع المؤسسة الإسرائيلية، فهي حافظت على تميّزها، حاصدة سنويا أعلى شهادات التفوق، والأهم أنها تحافظ على الثوابت العربية والفلسطينية والاستقلالية في التعليم، كذلك إن أكثر من نصف طلّابها ومعلّميها من المسلمين»، تقول مدرّسة اللغة العربية في مدرسة «تيرسانطة» الثانوية في يافا، شيخة حليوة. وتضيف: «تلك المدارس لم يُرفرف فوقها علم إسرائيل ولم تخضع لفساد التفتيش، كذلك لم تُراجعني (الوزارة) وأنا أدرّس النكبة والوجع الفلسطيني».