المقاهي عنوان السهر... والعادات والتقاليد «خط أحمر»غزة ـــ قيس صفدي
يشتكي أصحاب الفنادق والمطاعم والمقاهي في غزة من قلّة الزبائن والمرتادين طوال شهر رمضان، بخلاف ما اعتادوه في المواسم الماضية. ويُرجع المختصون أسباب «اعتزال» الناس الأماكن العامة إلى المزاج العام السيئ الذي يعانيه سكان غزة بفعل الحصار والانقسام وارتفاع معدّلات الفقر والبطالة.
حال الركود تظهر بصورة جليّة في فندق «البيتش»، أحد أكبر وأعرق الفنادق على شاطئ بحر مدينة غزة. ويقول رئيس مجلس إدارة الفندق أبو جمال اليازجي إن الموسم الحالي يعدّ الأسوأ منذ عدة أعوام، حيث تعاني جميع الأماكن العامة والسياحية في غزة قلة الزبائن وتفضيلهم تناول طعام الإفطار في منازلهم وقضاء سهرات عائلية.

الموسم الحالي يعدّ الأسوأ منذ عدة أعوام بالنسبة إلى المنتجعات السياحيّة
وقد جال اليازجي ببصره في الصالة الرئيسة للفندق الخالية إلّا من عدد قليل من الزبائن، وقال: «انظر، جميع الموظفين يعملون لخدمة بضع طاولات، فيما كانت الصالة في أعوام سابقة مكتظة بالزبائن، الذين يتناولون طعام الإفطار في الفندق، أو يأتون بعد الإفطار مباشرةً لمتابعة المسلسلات الرمضانية وقضاء السهرات برفقة عائلاتهم أو أصدقائهم». ويلفت إلى أن كثيراً من المؤسسات التي اعتادت تنظيم وجبات إفطار جماعي لموظفيها لم تقم بذلك هذا العام. وتعمل الفنادق في غزة على إقامة حفلات «ملتزمة» لا تتعارض مع توجهات وتعليمات الحكومة المقالة، التي تديرها حركة «حماس»، لجذب الزبائن. ويفسّر اليازجي الالتزام هنا بأن تقتصر الحفلات على أغانٍ قديمة، وألّا تتخلل الحفل أيّ «مظاهر مخلّة مثل الرقص وغيره». ويقول إنه يقيم حفلاً موسيقياً يوم الخميس من كل أسبوع، وهو اليوم الذي يشهد الإقبال الأكبر للناس لحاجتهم إلى الترفيه.
ويؤيد وزير الاقتصاد السابق، أحد مالكي منتجع «كريزي ووتر» في غزة، علاء الأعرج، أن الناس في غزة عانوا بما فيه الكفاية وهم بحاجة إلى من يوفّر لهم برامج تشعرهم بالسعادة وتدفعهم إلى الضحك، ولكن بما لا يتعارض مع العادات والتقاليد.
وقال الأعرج، الذي تولى وزارة الاقتصاد في الحكومة العاشرة التي ألّفتها حركة «حماس» عقب فوزها في الانتخابات التشريعية 2006، إن أصحاب الفنادق والمنتجعات السياحية يبذلون كل جهد ممكن من أجل جذب الناس ومساعدتهم على «تلمّس» الفرح والسعادة في ظل الواقع الصعب القائم حالياً.
وعن طبيعة الحفلات والفعاليات المقامة في غزة تحت حكم «حماس»، يقول الأعرج إن النشاطات كلها التي تقام في الفنادق والمنتجعات لا تعدو كونها أمسيات موسيقية ملتزمة ومسابقات تثقيفية لا تتعارض مع العادات والتقاليد لأنّ الناس في غزة بطبيعتهم ملتزمون، ويعتزون بدينهم وتراثهم، والهدف من كل ذلك فقط تحسين الحالة النفسية للناس، وتحسين السياحة الداخلية في ظل الحصار والإغلاق.
وكانت حكومة «حماس» قد أغلقت منتجع كريزي ووتر قبل نحو ثلاثة أسابيع لمدة ثلاثة أيام، بسبب «إقامة حفلات ماجنة تتخلّلها مظاهر وممارسات مخلّة لا تنسجم مع الدين والعادات والتقاليد».
ويؤكد الأعرج أن إغلاق المنتجع جرى بناءً على تقارير غير دقيقة، وستثبت اللجنة التي ألّفتها الحكومة أنهم «ذهبوا في اتجاه خاطئ في التعامل مع مثل هذه المؤسسات الاقتصادية، وإذا استمر التعامل بنفس الطريقة والأسلوب فسيؤدي هذا إلى تهجير رأس المال والقضاء نهائياً على البنية السياحية المدمَّرة أصلاً في غزة».
الأسعار المرتفعة في المنتجعات السياحيّة جعلتها تقتصر على فئة قليلة من أصحاب الدخل المرتفع نسبياً، بينما شريحة واسعة من الغزيّين ينظرون إليها من الخارج برهبة، ولا يمتلكون الجرأة والمال لدخولها.
أحمد واحد من هؤلاء الذين يفضّلون قضاء السهرات الليلية في أماكن شعبية كالمقاهي، وغالباً برفقة أصدقائه يجلسون حول النرجيلة في شوارع المخيم أو فوق سطوح منازلهم.
ويقول أحمد: «الفنادق والمطاعم ليست لأمثالنا، الذين يحملون شهادات جامعية منذ سنوات من دون عمل، ولا يمتلكون في جيوبهم ثمن علبة سجاير، فيما يلزمك 30 شيكلاً (الدولار يعادل 3.8 شواكل) لتدخين النرجيلة وشرب فنجان من القهوة في أحد تلك الأماكن السياحية».
للسهر أشكال وألوان، أحدها الخيام الرمضانية التي أقامتها حركة «حماس» طوال شهر رمضان بجوار عدد من المساجد في غزة بهدف التخفيف عن الناس.

برنامج الخيم يتنوّع بين المسابقات الدينية إلى قراءة القرآن والأدعية
وتلاقي هذه الخيام إقبالاً كبيراً من المواطنين، بحسب سمير الزهار، أحد المسؤولين عن تلك الخيام. الذي قال: «كانت الفكرة جريئة، وخصوصاً أن هذه الخيام الرمضانية في غزة تختلف في ما تقدمه عمّا اعتادت الخيام الرمضانية الأخرى تقديمه، حيث خرجت عن الصورة النمطية السلبية لدى البعض عن الخيام الرمضانية أنها مضيعه للوقت في شهر العبادة».
ويشير الزهار إلى أن «برنامج الخيمة يتنوع بين الترفية والاستفادة، فمن المسابقات الدينية التي تحمل هدايا قيّمة لشركات راعية، إلى وجبة إيمانية ممتازة من قراءة القرآن والأدعية والنشيد الإسلامي الهادف».
وقالت أُلفت إنّ الخيام الرمضانية بالشكل الجديد تُعدّ متنفّساً لسكان القطاع الذين أنهكهم الحصار، والأزمات المتعاقبة التي يواجهونها، وإن الدعم المادي الذي تلاقيه من منظمي هذه الخيام يجعلها مجانية، بل على العكس فكل مرتاد يعود إلى منزله مصطحباً هدية يحصل عليها أيضاً.
ورأت أن أهم ما يميز هذه الخيام الرمضانية هو أنها متاحة أمام عامة الناس، وأن الجميع قادر على ارتيادها وبكل الفئات، وأنها لا تجد حرجاً من التوجه بكل أفراد عائلتها إلى هناك وبشكل متكرر، لما تقدمه من برامج مفيدة وفقرات متنوعة تحرص على أن تكون على ذوق عالٍ وملتزم.


مشاريع سياحيّةويعتقد أبو حصيرة أن الحكومة في غزة راضية عن مثل هذه المشاريع السياحية، وتمنحها التراخيص اللازمة وتحصّل منها الضرائب بأنواعها. لكنه يطالب الحكومة بأن تخفض الضرائب «كي تتحسن الأسعار وتشجع الناس على الإقبال على الأماكن السياحية».
في المقابل، يشتكي أصحاب منتجعات آخرون من التضييق الذي تمارسه شرطة «حماس» تحت عنوان «الحفاظ على التقاليد»، الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى إغلاق المنتجعات بناءً على «بيانات كيديّة».