أين أصبحت جهود المخيمات الفلسطينيّة في مكافحة آفة المخدرات؟ فبعد تناول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله للمشكلة بين الشباب منذ أشهر، استنفرت اللجان الأمنية لتطهير المخيمات من بعض المروجين، لا بل إن التجاوب بلغ ببعض الأهالي أن «دزّوا» على أبنائهم، آملين أن تعيدهم «الفلقة» إلى رشدهم
قاسم س. قاسم
يأخذك الشاب إلى منزله، وتحديداًً إلى غرفته. يغلق الباب ليفتح الشبّاك، يقوم إلى خزانته، يمد يده إلى سقف الخزانة ليسحب سيجارتي حشيشة. يناولك واحدة، تبتسم معتذراً، فيهزأ منك قائلاً: «دخّن يا زلمي متل السيكارة العادية». دقائق، وتمتلئ الغرفة برائحة الحشيشة. حسن (اسم مستعار) شاب فلسطيني بدأ «مشوار» الإدمان بتعاطي حشيشة الكيف ليتدرج ويصل إلى مرحلة الكوكايين. في البداية، «أصدقاء السوء (يقولها ساخراً) علموني على التكسير (فتّ الحشيشة) والتحشيش»، كما يقول. لكن بعدما كان اعتماد حسن على أصدقائه لتوفير حاجته من الحشيشة، تعرف الشاب العشريني إلى المروج في المنطقة، فأصبح يقصده لشراء البضاعة منه مباشرة. مع الوقت، أصبح لدى حسن «اكتفاء ذاتي»، فصار يبيع الفائض، متحولاً إلى مروّج. لكنه يقول إن سجائر الكيف وحدها لم تعد تكفيه ليصل إلى النشوة المنشودة، فبدأ الشاب العشريني بتعاطي الحبوب المهدئة للأعصاب مع السجائر. وحين تسأله عن طبيعة شعوره في تلك الحالة، يجيبك: «رواق، وجوع». يستطرد حسن في شرح «الحالة» قائلاً: «الرواق من ورا الحبوب والسيجارة. أما الجوع، فلأن الجسم بيصير بدو سكر. فبعد «التحشيش» تعمل السيجارة على حرق السكر الموجود في الدم، فأعوضه بلوح شوكولا أو أي نوع آخر من الحلوى». هذا بالنسبة إلى الحشيشة، فكيف وصل الشاب إلى الكوكايين؟ يقول: «صرت حشش أكتر وما عدت حس بإشي، فصار بدي إشي أقوى». ارتقى حسن درجة على سلم التعاطي، منتقلاً من السيجارة وحدها، إلى السيجارة مع الحبوب، ليصل إلى «البودرة»، أي الكوكايين. ينهي حسن سيجارته الأولى، ليشعل الثانية مباشرة. هذه الأيام، حسن لا يملك المال الكافي لشراء البودرة، المشهورة بكونها مخدر الأغنياء. أما في الماضي، فكان «يستعير» دراجة نارية فيبيعها ويتصرف. ويعترف بأن تشديد القوى الأمنية لقبضتها على المروجين «خوفني شوي، قلت لحالي بدّخن أحسن ما شم أأمن»، كما يقول. يقوم إلى الخزانة يسحب حبتي «ليكزوتانيل» ليعود إلى مكانه بعد ابتلاعهما. تحذره من خطر ذلك على صحته، يبتسم مجدداً «سنة وأنا على هالحالة ما صار إشي». يعود ليكمل سيرته الذاتية: «بعدما أصبحت اروّج في المخيم أصبح لدي ما يكفي من المال لأشتري الكوكايين، وأصبحت أعرف التجار الكبار». هكذا، «ابتدا المشوار» مع الكوكايين، لكن حسن مقتنع، ككل المدمنين، بأنه يستطيع وقف التعاطي «وقت ما بدي».
صرت حشّش أكتر، وما عدت حس بإشي، فصار بدي إشي أقوى
لكن هل جرب توقيفها؟ يلتفت إليك ضاحكاً وهو يوقف سيجارته على الطاولة «هه. وقفتها». «النبتة» التي كان حسن يدخنها عرفته إلى أناس من جنسيات مختلفة، إذ إن «أولاد الحي الثاني»، أي المناطق المحيطة بالمخيم، باتوا يقصدونه بهدف توفير ما يلزمهم من حشيشة الكيف. حسن عيّنة من مروجي المخيم. ويقول مسؤول في اللجنة الأمنية في مخيم برج البراجنة إنه في المخيم «ما في تجّار مخدرات، في مروجين للمخدرات». فصله بين التجّار والمروجين هو للتأكيد أن المخيم خالٍ «من التجار الكبار»، وأن الأمر مقتصر على «يلي بروجوا وبيتعاطوا» كما يقول. أما عن طبيعة عملهم لمكافحة هذه الظاهرة في المخيم، فيقول إنه في «كل مرة منعمل كبسة، ومنمسكهم، ومنحاكمهم». بالنسبة إلى اللجان الأمنية في المخيمات، فهي تعمل على ملاحقة مروجي المخدرات بين الشباب الفلسطيني، وتنسّق مع القوى الأمنية اللبنانية إذا أرادت الأخيرة أن تمسك أي مروّج بنفسها. هكذا، تعمل اللجنة الأمنية، محاولة التعاطي مع الموضوع بحزم أكبر من السابق. بالنسبة إلى اللجنة، يكفي أن «السيد حسن حكي بالموضوع»، ليكون دليلاً كافياً على مدى خطورة الوضع. لكن لمواجهة مشكلة بهذا الحجم فإن عمل اللجان الأمنية أو الشعبية على حد سواء في مخيم ليس فيه أبسط مقومات الحياة، لا تكفي وحدها. فأزمة المخدرات ليست منفصلة عن البطالة الرهيبة وانعدام الأفق أمام الشباب، إضافة إلى الفقر والعنوسة عند الجنسين. لذلك عملت الجمعيات الأهلية والمدنية في المخيم على إنشاء غرفة عمليات موحدة للتحذير من مخاطر المخدرات في صفوف الشباب الفلسطيني. وتعقد هذه الجمعيات اجتماعات دورية بمشاركة عناصر من اللجان الأمنية والشعبية، بالإضافة إلى المكاتب الشبابية التابعة للفصائل الفلسطينية.
منذ فترة، أمسكت اللجنة الأمنية في المخيم شاباً يحمل نصف كيلو من حشيشة الكيف، كان يريد ترويجها في المخيم، فحكمت اللجنة عليه بالسجن التابع لها لمدة ثلاثة أشهر! خرج الرجل وأصبح «ماشي على الصراط المستقيم، أي بنور الله»، كما يقول المسؤول. لكن أغلب عمليات الاعتقال للمتعاطين تُنَفّذ بعد إخبارية من أهل المتعاطي نفسه الذين يتوجهون إلى اللجنة الأمنية، طالبين منها أن تعتقل ابنهم بهدف «تربيته» في السجن، بغض النظر عن حالة المدمن التي قد تكون قد قطعت شوطاً صار من الصعب «تربيته» بدون مساعدة طبيب أو مستشفى. ويؤكد المسؤول في الأمنية أن هذه «الإخباريات» من الأهل ما هي إلا دليل على رفض المجتمع الفلسطيني المحافظ لهذه الظواهر التي هي «خارجة عن عاداتنا وتقاليدنا» كما يقول.


صدر منذ أسابيع حكم قضائي غيابي بحق صاحبة إحدى الصيدليات في المخيم بسبب بيعها حبوباً مهدئة بدون وصفة طبّية. وقد جاء في حيثيات الحكم أن الصيدلية لم تكن تكتفي بالبيع غير القانوني لأهالي المخيم، إذ إنها تحولت مقصداً لأبناء المنطقة المحيطة. وكانت دراسة أجرتها نقابة الصيادلة قد كشفت عن تزايد ملحوظ في إقبال اللبنانيين على شراء أدوية الاكتئاب والمهدئات التي استوردت بكميات كبيرة، ولا سيما منذ الحرب الإسرائيلية في تموز 2006. وأظهرت الدراسة أن نسبة المدمنين في لبنان تقل عن النسبة في أوروبا والغرب.