تعيين رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد يؤاف غالانت يحمل مجموعة رسائل تشير إلى عناوين المرحلة الإسرائيلية المقبلة، عسكريّاً وسياسيّاً
علي حيدر
في موازاة تصديق الحكومة الإسرائيلية على تعيين قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، يؤاف غالانت، رئيساًَ لأركان الجيش، حرص المعلقون الإسرائيليون على تقديمه بصورة المقبل على تولي مهمة خوض مواجهات عسكرية، والتذكير بأن التباين والاختلاف كبيران جداً، بين رئيس الأركان الحالي غابي أشكنازي والرئيس المقبل، وتحديداً لجهة العقيدة العسكرية والاستعداد للمخاطرة والمسارعة لشن الحروب.
وبحسب أحد التقارير الإسرائيلية، يمثّل نهج غالانت الهجومي نقيضاً واضحاً لنهج أشكنازي الحذر، و«لا يبعد أن يكون تعيينه رسالة إلى كل من إيران وسوريا وحزب الله». ومع تعيين غالانت، تكون تل أبيب في صدد إغلاق «ثغرة أشكنازي» التي عانتها طوال فترة ولايته، إذ سبّبت «صراحته» وإطلاعه الأميركيين على حقيقة ونيات إسرائيل تجاه ساحات المواجهة معها، فقدان إسرائيل «صورة المتوثبة» لشن المواجهات العسكرية.
وقد سربت وسائل الإعلام الإسرائيلية في الفترة الأخيرة وجود استياء خاص أبداه وزير الدفاع إيهود باراك من أشكنازي، وتحديداً ما يرتبط بالمقاربة الواجب إعلانها تجاه الملف النووي الإيراني، بعيداً عن النيات والقدرات التي تحكم القرار الإسرائيلي حيال إيران. ففي الوقت الذي يريد فيه باراك أن يُبقي حديث الخيار العسكري الإسرائيلي قائماً، وبالتالي إثارة الخشية الأميركية من الضربة الإسرائيلية كي يحثّها على مقاربة أكثر شدة وحزماً ضد الإيرانيين، يصر أشكنازي على إعلام الأميركيين عن النيات والقدرات الإسرائيلية حيال إيران. ويؤثر تعيين غالانت تأثيراً فعلياً في القرارات الإسرائيلية، باتجاه الدفع أو الكبح حيال اتخاذ قرارات متطرفة، لكن في الوقت نفسه، يجب الإشارة إلى أن هذا التأثير تحد منه ضوابط لا يمكن إغفالها في عملية صناعة القرار في تل أبيب، مهما كانت توجهات رئيس الأركان وميوله، وترتبط أساساً بالمعطيات الموضوعية وبموازين القوى.
لا شك أن للجيش الإسرائيلي، وعلى رأسه رئيس هيئة الأركان، دوراً أساسياً في بلورة أي قرار حرب تتخذه القيادة السياسية، لكن تبقى الكلمة النهائية للقيادة السياسية، التي عادة ما تكون اعتباراتها أوسع وأشمل من الاعتبارات والدوافع العسكرية المحضة. إلى ذلك، لم يسبق لإسرائيل أن شنت حرباً واسعة منذ ستينيات القرن الماضي، من دون طلب أو ضوء أخضر أميركي، وخصوصاً أن المعادلات الإقليمية والظروف السياسية الحالية، تجعل هذه الضابطة أكثر إلحاحاً وحضوراً، وبالأخص أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر تورطاً في القضايا الإقليمية وفي ظل رؤية أميركية تربط بين الوضع في الشرق الأوسط والأمن القومي الأميركي مباشرةً.
رغم ذلك، لن يتواضع غالانت بعد توليه المنصب الجديد، في إطلاق المواقف والتصريحات مع منسوب مرتفع من التهويل والحرب النفسية، على نقيض نسبي من سلفه. وستشهد المرحلة المقبلة مستوى من عملية استغلال «مزايا» غالانت الهجومية، ضمن الهدف المطلوب: التناغم مع القيادة السياسية في إسرائيل باتجاه أداء دور أن «رب البيت يكاد يجنّ»، في محاولة لردع أعداء تل أبيب، وأيضاً دفع واشنطن لمزيد من الخطوات أكثر فاعلية في مواجهة إيران.