بخاص بالموقع - عد مرور 40 عاماً على مواجهات «أيلول الأسود» الدامية بين الفدائيين الفلسطينيين والجيش الأردني، طوى الأردنيون والفلسطينيون هذه الصفحة الدامية من تاريخهم، لكن غياب اتفاق سلام يتيح قيام دولة فلسطينية على الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ما زال يؤرق الطرفين.وتعود بداية تلك الأحداث إلى فترة ما بعد هزيمة العرب في حربهم مع إسرائيل عام 1967 حينما ظهر فدائيون فلسطينيون ينفذون عمليات ضد إسرائيل.
في ذلك الوقت، أراد زعيمهم ياسر عرفات أن يجمع هؤلاء المقاتلين، ورأى في الأردن، الذي يحاذي إسرائيل والضفة الغربية، موقعاً مثالياً لذلك، فأنشأ في المملكة قواعد عسكرية للفدائيين الذين وصل عددهم إلى نحو 40 ألفاً.
إلا أنّه بمرور الوقت، وبتنامي هذه القوة التي أصبح وجودها أشبه بدولة داخل الدولة، أمر العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال في 17 أيلول 1970 جيشه الذي ضم خمسين ألف جندي بالعمل على إخراج هؤلاء المسلحين من الأراضي الأردنية.
وجاء القرار بعد خطف مسلحين من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» ثلاث طائرات، توجهوا باثنتين منها إلى منطقة الأزرق الصحراوية (شرقيّ عمان). وبعد ثلاثة أيام، خُطفت طائرة رابعة، حطت أيضاً في الأزرق، واحتُجز 56 بريطانياً وأميركياً إسرائيلياً رهائن.
وفي 27 أيلول، وُقّع اتفاق لوقف إطلاق النار في القاهرة برعاية الزعيم المصري جمال عبد الناصر قبيل وفاته. لكن الفدائيين بقوا في الأردن.
ولم ينته القتال فعلياً حتى تموز 1971، حين طرد رئيس الوزراء الأردني وصفي التل المسلحين الفلسطينيين خارج الأردن. لكنّه دفع حياته ثمناً لذلك، فقد اغتاله بعد نحو أربعة أشهر في القاهرة أفراد منظمة «أيلول الأسود» الفلسطينية.
وتراوحت أعداد القتلى نتيجة معارك «أيلول الأسود» بين ألفين ـــــ وفقاً للأردن ـــــ وثلاثة آلاف قتيل وفقاً للفلسطينيين.
ويقول عدنان أبو عودة، وهو فلسطيني الأصل، وكان وزيراً للإعلام في الحكومة الأردنية أثناء وقوع تلك الأحداث، إنّ «تلك المواجهات كانت ضرورية (...) لو لم نتصرف كما فعلنا لكان ذلك قد خدم مصالح إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية في الأردن».
ويضيف أبو عودة، عضو مجلس إدارة المجموعة الدولية للأزمات: «حتى يومنا هذا، أمن الأردن لا يمكن أن يتحقق إلا بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية».
وما زال هاجس أن يصبح الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين، كما ينادي بذلك المتطرفون في إسرائيل، يؤرق بعض الأردنيين.
ويقول محمد المصري الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية إنّ «الخيار الأردني هاجس موجود، والدليل أنّه يجري الحديث عنه ما إن تبدأ مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية أو حصول تطور على الصعيد الداخلي».
ويمثّل الفلسطينيون نحو نصف عدد سكان الأردن البالغ عددهم 2،6 مليون نسمة. وكان الملك حسين وعرفات قد تصالحا في ثمانينيات القرن الماضي، لكن علاقتهما ظلت مشوبة بالحذر حتى وفاتهما، بحسب مقربين من الزعيمين.
ومنذ اعتلائه عرش المملكة عام 1999، يكرر الملك عبد الله دعم بلاده لحقوق الشعب الفلسطيني، ويدعو إسرائيل إلى قبول حل على أساس قيام دولتين فلسطينية وإسرائيلية.
وينسق الأردن والقيادة الفلسطينية في ملف السلام مع إسرائيل. وحضر الملك عبد الله إطلاق مفاوضات السلام المباشرة في واشنطن في الثاني من أيلول الحالي.
ويقول عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح التي أسسها عرفات، في أحداث أيلول الأسود: «هذه صفحة طويت إلى الأبد منذ زمن بعيد ولن تعود، ومن الخطأ الحديث عنها. لكن يجب أن تبقى عبرة لنا جميعاً».
وأضاف الأحمد، وهو أحد المقربين من الرئيس عباس، أنّ «محاولة قول البعض إنّ هناك وطناً بديلاً للفلسطينيين، هو الأردن، هدفه تعميق النزعات الإقليمية».
بدوره، رأى المحلل السياسي الفلسطيني، هاني المصري، أنّ العلاقات الفلسطينية الأردنية تمر بأفضل حالاتها.
وقال المصري: «هناك اتفاق أردني فلسطيني على مسار التسوية والسلام في المنطقة يصل لدرجة التحالف بينهما. لكن هناك مخاوف ومخاطر ليس سببها الأردنيون ولا الفلسطينيون، بل إسرائيل التي تتحدث عن تهجير الفلسطينيين إلى الأردن والوطن البديل للفلسطينيين في الأردن».
وأضاف: «أيلول الأسود ترك جراحاً عميقة؛ لأنّ هناك دماءً سالت من الطرفين، لكن تراجع هذا التاثير الآن ولم يعد قوياً كما كان في مرحلة سابقة».
(أ ف ب)