خاص بالموقع - في ظل تكاثر الحديث الإسرائيلي عن تحدّي نزع الشرعية الذي تواجهه الدولة العبرية على المستوى الدولي، باتت إجراءات المقاطعة التي تتخذها جهاتٌ أهلية غربية تثير حساسية من نوع خاص في تل أبيب خشية أن تكون مندرجة ضمن سياق أوسع يشير إلى سياسة رسمية غير معلنة يتّبعها الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص. في هذا الإطار يأتي قرار مركز الحكم المحلي الهولندي إلغاء زيارة وفد رؤساء السلطات المحلية الإسرائيلي بسبب مشاركة رؤساء سلطات محلية من المستوطنات فيه ليرفع منسوب القلق الإسرائيلي حيال احتمال أن تكون الخطوة الهولندية مقدمة لخطوات مماثلة من جانب مؤسسات الاتحاد الأوروبي.ورأى الخبير الإسرائيلي في شؤون الاتحاد الأوروبي، الدكتور في جامعة بن غوريون، شارون بردو، أن إلغاء زيارة الوفد تدل على مسار أوسع. وقال بردو في تصريح إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت» إنه «يجب أن ننظر إلى إطار العلاقات بين أوروبا وإسرائيل. ففي العام الأخير اتخذ قرار في محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ بشأن قضية اقتصادية للوهلة الأولى، إلا أنها ذات دلالة سياسية وقضائية بعيدة المدى». وقصد بردو بكلامه الحكم المتعلق بتصدير المنتجات الإسرائيلية المصنّعة داخل المستوطنات في الضفة الغربية والتي لا تتناسب مع معايير اتفاقية التجارة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي التي تنصّ على إعفاء المنتجات الأوروبية من الجمارك. وبحسب حكم المحكمة الأوروبية، فإن المنتجات المصنّعة في المستوطنات لا يمكن أن تدخل الاتحاد من دون جمارك، لأنّ منشأها ليس ضمن الحدود الإسرائيلية، وتالياً فإن الاتفاقية لا تسري عليها.
وأوضح بردو أن «لهذا القرار تأثيراً حرجاً على كل السلوك المستقبلي الإسرائيلي حيال الاتحاد الأوروبي. في الواقع نحن نرى شرعنة قضائية لقرار سياسي. بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، فإن هذا الحكم القضائي يفرض حدود عام 1967 على إسرائيل، وفي ضوء الحكم سيكون هناك تطبيق أكثر حرصاً على هذا الأمر في كال الأطر ذات الصلة. يجب أن نفهم أن هذا الحكم يُعدّ سابقة، وهو قرار حرج يُخرج إلى حيّز الفعل الإرادة الأوروبية بعدم الاعتراف بإسرائيل خارج حدود عام 67».
وأشار بردو إلى أن رفع مستوى العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي جُمّد منذ عدوان «الرصاص المسكوب» على قطاع غزة عام 2008، و«عناقيد الغضب» عام 1996. ويضيف «من الواضح أنه ما لم تكن هناك خطوات جوهرية لإنهاء الصراع (في الشرق الأوسط)، فإنه لن يكون هناك تطوير للعلاقات مع أوروبا». ويتابع «نحن نرى توجّهاً لتصليب المواقف وسط دول الاتحاد تجاه إسرائيل، وخصوصاً في الفترة الأخيرة».
من جهته، رأى الدكتور عموائيل نافون، وهو خبير في شؤون الاتحاد الأوروبي بجامعة تل أبيب، أن «الخطوة الهولندية هي خطوة قامت بها دولة واحدة، ولا تعكس سياسة الاتحاد عموماً، لأنه ليس هناك من الناحية العملية موقف موحّد للاتحاد في السياسات الأمنية والخارجية».
ويشير نافون على وجه الخصوص إلى دول شرق أوروبا التي «لديها مواقف أكثر تعاطفاً مع إسرائيل»، ويذكّر بأن الرئيس التشيكي السابق، فيتسلاف هابل، انضم الأسبوع الماضي إلى مبادرة رئيس الوزراء الإسباني السابق، خوسيه أسنار، الذي أسس منظمة دولية لتقديم الدعم الدولي لإسرائيل. ويرى نافون أنه بناءً على ذلك «هناك آراء مختلفة بشأن إسرائيل والصراع في المنطقة بين دول الاتحاد. فهناك زعماء أكثر تعاطفاً مع إسرائيل، مثل رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، والرئيس الفرنسي نيكولاي ساكوزي، ورئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل».
لذلك، بحسب نافون، فإن «موقف هولندا، التي كانت في الماضي الدولة الأوروبية الأكثر تعاطفاً مع إسرائيل، لا يعكس موقف الدول الأخرى في الاتحاد».
رغم ذلك، يقرّ نافون بأن إسرائيل تواجه منذ حادثة «أسطول الحرية» علاقة أقل حرارة من جانب دول الاتحاد الأوروبي. وإذ يُذكّر بأن الجولة الأولى لرؤساء السلطات المحلية خُطّط لأن تكون في إسبانيا التي ألغتها جرّاء أحداث الأسطول، يوضح نافون «لقد كان لنا على الدوام علاقات متوتّرة مع إسبانيا. يجب أن نذكّر بأن العلاقات مع إسبانيا دُشّنت في الثمانينيات فقط، وإسبانيا اليوم تحكمها حكومة اشتراكية، ومن المعلوم أن الأحزاب الاشتراكية كانت على الدوام مناصرة للفلسطينيين».
إضافة إلى كل ذلك، يرى نافون أنه لا ينبغي تجاهل حقيقة أن النهج الذي تقوده إدارة أوباما حيال إسرائيل أفقد الأوروبيين القدرة على ادّعاء ضرورة مشاركتهم في عملية التفاوض بسبب الانحياز الأميركي إلى إسرائيل. ويشرح نافون أن ذلك «كان الادّعاء الأوروبي الكلاسيكي، وقد استخدموه على سبيل المثال في أيام إدارة بوش. لكنّ أوباما طلب في بداية ولايته تجميد الاستيطان من إسرائيل ولم يطلب شيئاً من الفلسطينيين. ولذلك، فإن الأوروبيين يشعرون بأنهم خارج اللعبة الآن، ما دامت الإدارة الأميركية تبنّت موقفهم». ويرى نافون أن الأوروبيين «لن يكون بمقدورهم تصليب نهجهم، لأن هناك زعماء أقوياء داخل الاتحاد يميلون لمصلحتنا، وعليه فإن ميزان القوى العام هو لمصلحتنا».
ويخالف الدكتور بردو هذا التحليل، فيرى أن «قضية الصراع في الشرق الأوسط هي القضية الوحيدة التي عليها توافق دائم تقريباً بين الدول الأعضاء كلها في الاتحاد منذ السبعينيات. فالاتحاد يمثّل موقفاً واضحاً حيال هذه القضية، وهو يطبّقه تطبيقاً أكثر جوهرية منذ عملية الرصاص المسكوب كجزء من التصلّب في تنفيذ القرار».
ويعتقد بردو أن لدى إسرائيل سبباً للقلق، «فهناك فجوة قيمية بين مجتمعين (الأوروبي والإسرائيلي) ومقاربة مخالفة لسلوك دولة إسرائيل. إن وضع إسرائيل صعب في الاتحاد الأوروبي، حيث لا يُتعامل معها على أنها شرعية ما دامت تمارس الاحتلال. هولندا هي دولة مؤسسة في الاتحاد الأوروبي، وقرارها ينسجم مع الجمهور الأوروبي ويعكس رؤيته حيال الاحتلال غير العادل في نظره». ويضيف «أنا لا أنظر إلى الساسة، بل إلى الشعوب الأوروبية. فهم ينظرون إلى إسرائيل على أنها دولة عنيفة ومحتلة لا تهمّها عملية السلام، وعلى الزعماء أن يصغوا في نهاية المطاف إلى رغبة شعوبهم».
وكان نائب المدير العام لمركز الحكم المحلي الهولندي، آثور فيغرس، قد أكد ليديعوت أحرونوت أن قرار «تعليق» زيارة الوفد الإسرائيلي إلى هولندا اتّخذ بطريقة مستقلة، رغم أنه حصل تشاور مع وزارة الخارجية الهولندية بشأنه. وأوضح قائلاً «في مثل هذه المواضيع لا نعتمد على قرارات الحكومة أو وزارة الخارجية عندنا، إنما هو قرار في مجال مسؤوليتنا ونحن نحدد مع من نريد أن نلتقي ولمن سنجري جولات تعليمية».
وأكد فيغرس على «أننا لم نقل للوفد إنه غير مرغوب فيه، أو إننا غير معنيين أبداً بتنظيم جولة تعليمية له، ولكن لأننا اكتشفنا بطريقة غير مباشرة أن تركيبة الوفد موضع خلاف، فنحن غير معنيين بتنظيم جولة تعليمية الآن، ما دامت التركيبة ستبقى على حالها».