مسار المفاوضات يبدو ذاهباً باتجاه مزيد من التنازلات. تنازلات قرر محمود عبّاس أن ينهي بها سيرته التفاوضيّة، بإعفاء إسرائيل من الحقوق التاريخية وإعلان «نهاية الصراع»
محمد دلبح
يحسن رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته، محمود عباس، صنعاً إذا نفذ تهديداته المتكررة بالاستقالة من منصبه والجلوس في بيته في رام الله أو في عمان أو في أي مكان آخر يختاره، بما فيه إحدى مدن كندا التي يقال إن ابنه ياسر يحمل جنسيتها.
وسيحفظ الفلسطينيون له صنيعه إذا تخلى عن منصبه طواعية قبل أن يختتم حياته السياسية بارتكاب ما يوصف عادة في الأدبيات السياسية بجرم «الخيانة الوطنية»، إذ نقلت عنه صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية يوم الأحد قوله «إذا كان الإسرائيليون جادين وتوصلنا الى اتفاق، فإننا سنعلن أن هذا هو انتهاء الصراع ونهاية المطالب التاريخية للشعب الفلسطيني». وسواء حظي «اتفاق أبو مازن ــ نتنياهو» في غضون عام من المفاوضات المباشرة برعاية أميركية، بموافقة أو رفض من الشعب الفلسطيني، فإن أبو مازن أعلن أنه يعتزم الذهاب إلى منزله ولكن بعد أن يعرض اتفاق تفريطه بفلسطين وحقوق شعبها على ذلك الجزء من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية الخاضعة لسلطة قمع مزدوجة، طرفاها الاحتلال الإسرائيلي وقوات أمن السلطة الفلسطينية التي تشرف على تدريبها وتمويلها ووضع برنامج عملها وأدائها الولايات المتحدة.
أبو مازن لم يسأل شعبه ولم يستفته عندما اتفق «تحت جنح الظلام»، وفي سرية مطلقة في أوسلو عام 1993 بالتنازل عن 80 في المئة من فلسطين وإقامة سلطة حكم ذاتي محدود على بعض الجيوب في قطاع غزة والضفة الغربية وإقامة أجهزة أمن وشرطة مهمتها وقف العمل الفدائي وحماية أمن إسرائيل وتحويل الفلسطينيين في كامل فلسطين التاريخية إلى «جماعة سكانية» تعيش في ذيل المجتمع الإسرائيلي. وهو الآن بعدما أوصل قطاعاً كبيراً من الفلسطينيين إلى حافة اليأس وزيّف فيه وعي قطاع آخر يريد أن يستفتيهم، فيما يصرح مستشاره التفاوضي المصري أحمد أبو الغيط بأن الفلسطينيين سيتلقّون 45 مليار دولار تعويضات عن وطن لم يعد وطنهم.
أبو مازن، الذي كان ديدنه منذ أن ألحقه ياسر عرفات بحركة فتح في عام 1968 العمل ضد المقاومة وشرعيتها لتحرير فلسطين واستبدالها بالمفاوضات مع الإسرائيليين، تارة تحت ستار الحوار مع الإسرائيليين «غير الصهاينة» في السبعينيات ثم مع أي إسرائيلي مهما كانت أيديولوجيته، إلى الحوار مع قادة الاحتلال في فلسطين، انتهى به المطاف إلى تقديم التنازلات المجانية عما لا يملكه من حقوق الشعب الفلسطيني مثل حق العودة للاجئين وتفريطه بالقدس المحتلة وحتى الدولة التي يروج مساعدوه وأتباعه لها في حدود الـ 12 في المئة من فلسطين التاريخية ستكون خاضعة للهيمنة الإسرائيلية جواً وبحراً وبراً.
قد يكون أبو مازن الوحيد من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح منذ عام 1968 الذي لم يذكر تاريخ العمل الوطني الفلسطيني أي تصريح يشيد بالمقاومة. وكان يوصف في أوساط فتح بأنه «زعيم المدرسة الانهزامية المغلفة بشعارات الواقعية». وقد سبق له القول «ليس بمقدورنا أن نقاتل الدولة اليهودية الأقوى من كل الدول العربية معاً، ومن نحن حتى نواجهها». ومع ذلك استمر أبو مازن لأكثر من أربعين عاماً أحد قادة منظمة تصف نفسها بحركة تحرير وطني. وبعد توليه السلطة رئيساً لحكومتها في عهد عرفات ورئيساً للسلطة نفسها منذ رحيل عرفات، لم تصدر عنه سوى تصريحات يجرم فيها المقاومة ويعتبر عناصرها ومقاتليها خارجين على القانون يجب ملاحقتهم واعتقالهم.
منذ عام 1969، الذي شهد تولي عرفات رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بقيت «المنظمة» تتقاذفها أهواء «قيادة فتح» وسياساتهم «التسووية» إلى أن ألزمها التحالف الأميركي ــ العربي الرسمي لمحمود عباس لكي ينفذ برنامجه الخاص الذي يقول كوادر عديدة في حركة فتح إنه يهدف إلى تصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني. وتصريح أبو مازن، الذي نقلته «صنداي تايمز»، يؤكد ذلك. ويؤكد أيضاً أن أبو مازن أصبح عبئاً على الفلسطينيين والوطنيين العرب.