الدول الغنية «تهرب» نحو التنمية ومحاربة المرضنيويورك ــ نزار عبود
التجمع الكبير للقادة الدوليّين الذي تحقّق في الأمم المتحدة في نيويورك مطلع الأسبوع الجاري لمناسبة «قمة محاربة الفقر» كان محيّراً جداً. إذ اجتمع نحو 140 قائداً ومسؤولاً كبيراً في زمن الأزمات الاقتصادية، للنظر في معالجة البؤس والمرض والتخلّف. وكثير من هذه الدول التي أرسلت ممثلين عنها، كانت في زمن البحبوحة الاقتصادية ورواج التسامح العرقي والديني تتلكّأ عن تلبية دعوات مؤتمرات كهذه، فلِمَ تقدم عليها في زمن القحط والتعثر والفاشية المتنامية؟
بعض المتشكّكين رأى أنّ القمة، التي تُعقد على مدى ثلاثة أيام وستنتهي إلى اعتماد وثيقة طويلة ومعقدة، إنما اختارت هذا الأمر من باب التهرب من موضوعات أكثر تعقيداً لا تستطيع بتّها في الظرف الراهن. فمن السهل الاتفاق على قضايا مثل الفقر والمرض وتنمية الدول الفقيرة التي لا تكلف كثيراً. وحتى لو لم تطبَّق التوصيات، لأنّ بوسع الدول التي تفشل في تلبية شروط الوثيقة التذرّع بتدني موازناتها، وهي التي لم تقبل في زمن الازدهار الاقتصادي رفع نسبة مساهماتها إلى سبعة أعشار الواحد في المئة من ناتجها المحلي، وكانت في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.
القمة الحالية حدّدت ثمانية أهداف في الذكرى العاشرة لإطلاق أهداف الألفية عام 2000، وقبل خمسة أعوام من موعدها النهائي، وكلّها تختص بالفقر والمرض والتنمية. وحاول الزعماء في الجلسات الرد على المشكّكين في أنّ نجاحات تحقّقت حتى الآن. وبالتالي فإنّ النقاش على مدى ثلاثة أيام سيركّز على التدقيق في الوثيقة الختامية قبل أن يعتمدها رؤساء الدول في صيغتها النهائية غداً. وفي النقاشات لا تزال الأهداف المرسومة بخفض نسبة وفيات الأطفال بمقدار الثلثين موضع جدال واسع. وهناك مسألة أخرى لا تزال قيد المراجعة، وهي البند الخامس المعني بتقليص نسبة وفيات الأمهات أثناء الولادة إلى الربع، وإتاحة برامج تنظيم الأسرة للجميع من دون استثناء. أمر يتعارض جوهرياً مع الكثير من الديانات التي تحرّم تحديد النسل، بينما لا ترى دول تتعرض للأوبئة والقحط والحروب الفتّاكة سبباً للحد من النسل، لأنّها تعدّ ذلك إمعاناً في الانتحار الجماعي، وهذه الدول تقع في معظمها في منطقة جنوب الصحراء.
في الشق المالي من المعادلة كان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قد طالب باستراتيجية عالمية لصحة المرأة والأطفال ترصد 26 مليار دولار لتحقيق تلك الأهداف. وأقرت وثيقة القمة الحالية تلك الاستراتيجية من حيث المبدأ. لذا سيعقد الأمين العام غداً لقاءً مع كبار المتبرعين والمتلقّين للمساعدات، ومع كبار المحسنين والشركاء من القطاع الخاص من أجل كفالة التزامات ثابتة تضمن تطبيق خطته. وطالب الحكومات بالتزام واضح في سياساتها وأموالها.
ووفق الأمم المتحدة فإنّه يمكن منع وفاة 15 مليوناً من الأطفال تحت سن الخامسة بالوقاية. ويمكن أيضاً تقليص عدد الولادات بواقع 33 مليوناً، وإنقاذ أرواح 740 امرأة أثناء الولادة جراء مشاكل يمكن حلّها صحياً. لكنْ هناك شكوك كبيرة في إمكان تأمين هذه المبالغ الطائلة في زمن الأزمة الاقتصادية المستفحلة. فمبلغ 26 مليار دولار ليس زهيداً، ولا سيما إذا كان الشأن يلقى معارضة كبيرة.
من المشاكل الأخرى التي لن تجد حلاً «برنامج الغذاء العالمي»، وكذلك منظمات إغاثة اللاجئين التي يعلو صراخها منذ عامين جراء إحجام المحسنين عن التبرّع. فكيف يمكن معالجة برامج التنمية في بلدان يستفحل فيها الفقر بعد الكوارث الطبيعية، كباكستان وأفغانستان، وسط هذ الشحّ الدولي المتزايد، وفي الوقت نفسه تولي برامج جديدة لتسريع تحقيق أهداف الألفية في موعدها؟
ويخشى مشكّكون من أن لا يعقد الاجتماع المرتقب غداً إذا لم يتوافر العدد الكافي من المتبرعين والمتطوعين لتولّي أخذ الأزمة على عاتقهم. عندها سيتعرّض برنامج الطفل والأم لفجوة كبيرة يصعب ردمها.
الطموحات كبيرة لكن من ينظر إلى ضحايا إعصار كاترينا في مدينة «نيو أورلينز» الأميركية ويجد أنّ الإعمار لم يكتمل بعد، لا يتوقع أن يعاد إعمار هايتي وباكستان وأفغانستان وغزّة وكشمير في وقت قريب. فالإرادة السياسية مقيّدة جرّاء الاحتياجات الداخلية الكثيرة التي لم تُستكمل.
بالنسبة إلى باكستان، التي تعدّ مساعدتها عاجلة من شتّى النواحي الإنسانية والسياسية والاجتماعية وحتى الاستراتيجية، تريد الأمم المتحدة جمع مليار وستّمئة مليون دولار إضافية لإبقاء قسم من عشرين مليون نسمة شرّدتهم الفيضانات وقضت على مصدر رزقهم على قيد الحياة. وسيكون لمدى استجابة الدول الغنية لهذا الطلب مغزى كبير، لأنّ الأزمة الباكستانيّة تعد أكبر بكثير من أزمة زلزال هايتي، لكن أسلوب الاستجابة كان أضعف منها كثيراً. فالدعوة الأولى التي وجّهتها الأمم المتحدة لمساعدة باكستان اقتصرت على 460 مليون دولار، ولم تتبرع الدول بعد جهد جهيد سوى بثمانين في المئة من المبلغ.
لذلك، وخوفاً من انتقال التقشف إلى السودان، ينوي الرئيس الأميركي باراك أوباما الاجتماع بعد غد الجمعة، مع ممثلي الجماعات السودانية لمراجعة حسابات الاستفتاءين على أبيي والجنوب وسط خشية على أوضاع البلاد من الفوضى أو الحروب الأهلية. وفي هذه الحالة ربما لا يكون هناك تقشف أو حسابات مالية في «فتّ العملة».
إلى جانب قمة محاربة الفقر، اعتمدت الدول الأعضاء في اللجنة الثانية من الجمعية العامة، قبل أيام، إدراج قضايا تتعلق بمحاربة الفقر وتدعم التنمية ومعالجة تغيّر المناخ ومشاكل النظامين المالي والتجاري العالمي لمناقشتها خلال الدورة الخامسة والستين الحالية.
ومن جملة المسائل التي وُضعت قيد الدرس والمراجعة سياسات الاقتصاد الشامل وتنمية التجارة ومستوى المديونية الممكن تحملها، وكيفية تطوير نظام الأمم المتحدة، ومتابعة وتطبيق نتائج مؤتمر عام 2002 الخاص بالتمويل والتنمية. وكذلك متابعة مقررات مؤتمر المتابعة الذي عُقد عام 2008 في عهد الأب ميغيل ديسكوتو بروكمان، الرئيس النيكاراغوي الأسبق للجمعية العامة.
وإلى جانب ذلك، هناك قضية الدول الواقعة في أوضاع خاصة، وسيكون هذا بمثابة رابع مؤتمر يعقد بشأن الدول الأقل نمواً. وستبحث الدورة الحالية وضع الدول القارية المعزولة عن البحار ودول الممر والدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية بخصوص علاقات التعاون في مجال التجارة العابرة، الترانزيت.


القدس والجولان المحتلان

ينتظر أن تدرس اللجنة الثانية في الجمعية العامة للأمم المتحدة قضية السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة بما في ذلك شرقي القدس، وسيادة الشعب العربي في الجولان السوري المحتل الحصرية على مواردهما الطبيعية. وتدرس الدورة أيضاً تقنيات المعرفة والاتصالات. وتحت بند التنمية المستدامة، من المنتظر أن تراجع تطبيق مقررات العالم الخاصة بالتنمية المستدامة ومتابعتها وتطبيق استراتيجية موريشيوس الخاصة بالجزر الصغيرة النامية والاستراتيجية الدولية المتعلقة بتقليص الكوارث، وحماية المناخ لأجيال الحاضر والمستقبل، وتطبيق برنامج الأمم المتحدة الخاص بحالات القحط والتصحر، ولا سيما في أفريقيا. كما ستجري الدورة مراجعة لمعاهدة التنوع البيولوجي ومسائل أخرى تتعلق بالتعليم من أجل التنمية والتناغم البشري مع الطبيعة وتطبيق مقررات مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالسكن الصالح (هابيتات ـــــ 2).