الحكيم يخوض مواجهة كسر عظم في بغداد... والحسم الأحد في طهرانإيلي شلهوب
باتت العقدة إذاً عمّار الحكيم، بعدما كانت لأشهر محصورة بمقتدى الصدر، الذي يبدو واضحاً أنه ملتزم هذه المرة، حتى الآن على الأقل، بتعهده بالتصويت لنوري المالكي رئيساً لحكومة العراق. عقدة يعمد المعنيون بإسقاط المالكي إلى استغلالها، أو على الأقل استغلال الوقت الذي توفره، في محاولة لتأليب الدول الإقليمية عليه. يتقدم هؤلاء إياد علاوي، الذي كانت زيارته لسوريا لافتة أمس في أمرين: الأول، استقبال الرئيس السوري بشار الأسد له علناً. والثاني أن يُسمح لعلاوي أن يقول ما قاله على مدخل الرئيس السوري، حتى ولو كان مضمون هذا الكلام سبق لزعيم «العراقية» أن كرره في أكثر من مناسبة.
غير أن ما دار في الاجتماع لا يعكس تصريحات علاوي الذي أكد له الأسد، بحسب مصادر قريبة من دمشق، أن «الموضوع انتهى. هناك توافق إيراني سوري أميركي على المالكي». وأضافت المصادر أن «الأسد كان واضحاً في تحذير علاوي من أن الوضع متوتر ويجب ضبطه، ناصحاً إياه بعدم المقاطعة، بل بأن يشارك بهذه الحكومة بالحصة التي يستحقها»، مشيرة إلى أن زيارة الرئيس السوري لطهران الأحد حاسمة في هذا «ومن الممكن أن يحصل إعلان من نوع ما للحكومة العراقية» في العاصمة الإيرانية.
موقف السيد الحكيم يبدو مبرراً، للقريبين منه ولخصومه على حد سواء. الأولون يتحدثون عن أمور مبدئية، من مثل ضرورة تداول السلطة و«التجربة المرة» لعهد المالكي. يحاولون دحض الحجة التي تقول بأن المالكي يتزعم الكتلة الأكبر، موضحين أنه «بمجرد انصهار دولة القانون مع الائتلاف الموحد ولدت كتلة جديدة من 159 نائباً اسمها التحالف الوطني». بل يرفضون فكرة «مكافأته على تمرده على البيت الشيعي قبيل الانتخابات وانفصاله عن الائتلاف». يرون أن «السيد الحكيم يعرف نقاط قوته ويفعل ما يدور في رأسه ولا يرد على أحد»، مشددين على أن «القوة ليست في عدد النواب». ويؤكدون أن زعيم المجلس الأعلى «لا يريد رئاسة الوزراء ولا وزارات. آخر همه حتى وصول عادل عبد المهدي من عدمه. إن كان الحل والعقد بيديه، فهو يؤيد بالتأكيد رئيس وزراء من خارج هذه التركيبة كلها».
سأل أوباما: هل يستطيع المالكي أن يحكم؟ أجابوه نعم. فقال: المالكي إذاً
أما خصوم الحكيم فيبررون أفعاله بـ«خوفه من عقاب المالكي له على مواقفه خلال الأشهر الماضية»، على قاعدة أن زعيم المجلس الأعلى هو الذي أجهض أكثر من اتفاق على المالكي خلال الفترة الماضية. ويشير هؤلاء إلى ملامح من هذا العقاب، لافتين إلى تفعيل المالكي للجنة تبحث في صحة شهادات النواب التي تعتبر شرطاً أساسياً لترشحهم للنيابة «ما يعني أن غالبية نواب المجلس الأعلى سيفقدون مناصبهم بسبب شهاداتهم المزورة». بل يتحدثون عن أن المالكي «يدعم الدعاوى التي رفعتها بعض عائلات القتلى البعثيين ضد قيادات في المجلس الأعلى»، مشيرين على وجه الخصوص إلى «حالة حصلت في النجف حيث اعتقل قاتل بعثي، أقرّ في خلال التحقيقات بأنه قام بفعلته بتحريض من فلان وفلان وفلان من قادة المجلس».
اللافت في ما يجري داخل البيت الشيعي أمران: الأول، أن قرار تأجيل الإعلان عن تسمية المالكي مرشح التحالف الوطني جاء خلال اجتماع أول من أمس بطلب من التيار الصدري، الذي عرض القيام بمسعى لدى زعيم المجلس الأعلى، على أمل إقناعه بعدم المقاطعة تحت عنوان «استنفاد الجهود كلها لتأمين إجماع شيعي على مرشح رئاسة الحكومة»، على ما أفادت مصادر مطلعة على ما دار في الاجتماع. أما الثاني، فهو هذا الهجوم الذي يشنه معارضو المالكي على السيد الصدر، تحت عنوان أنه «لا يعمل في السياسة وإنما فاتح بازار. يستدرج من زيد عروضاً، ومن ثم يذهب إلى عَمرو طالباً سعراً أعلى لتأييده».
هذا في بغداد. أما ما جرى في دمشق فتلك قصة أخرى. لقاء علني جمع الرئيس الأسد بعلاوي، بحضور نائب الرئيس فاروق الشرع ومعاونه اللواء محمد ناصيف والمستشارة الرئاسية بثينة شعبان، خرج من بعده زعيم «العراقية» ليحرض ضد إيران ويشيد بسوريا ويمالئ تركيا ويعلن قراره عدم المشاركة بأي حكومة يرأسها المالكي، ما يعني فقدانها الصفة الميثاقية. قال بوضوح، رداً على سؤال بشأن الدور الذي يمكن أن يقوم به الأسد خلال زيارته المقبلة لطهران الأحد المقبل، «من القوى الإقليمية التي تدخلت وتتدخل في الشأن العراقي هي إيران، وبالتالي مطلبنا من القادة العرب والأجانب الذين لهم علاقة بالجمهورية الإسلامية أن يطلبوا من الإخوة في إيران عدم التدخل في الشان العراقي وأن يترك القرار للإدارة العراقية». وأضاف «نحن مستمرون في الحوار وتبادل وجهات النظر مع الأشقاء العرب، وعلى رأسهم سوريا التي احتضنت المعارضة العراقية أيام النظام السابق... نثمّن الدور السوري المتعاطف مع العراق والداعي إلى وحدته وعدم تقسيمه، والداعي كذلك إلى عدم قيام حكومة طائفية»، مشيراً إلى أن دمشق «لم توفر جهداً في دعم استقرار العراق والمنطقة، وهذا ما وعدنا به الرئيس الأسد».
وعن أي دور تركي محتمل في تأليف الحكومة العرقية، أجاب علاوي إن «تركيا من الدول الجارة والصديقة والوفية للعراق وتحاول إيجاد ضغوط على الدول التي تتدخل سلباً في الشأن العراقي».
ومع ذلك، شدد علاوي أن «على إيران أن تفهم أن القائمة العراقية ليست في الموقع المعادي لتوجّهاتها، ولا هي تقرع طبول الحرب، وإنما تؤمن بوجود مصالح حقيقية متبادلة مع إيران، ولكن نرفض رفضاً قاطعاً التدخل بالشأن العراقي».
وكان لافتاً في الخبر الذي نقلته وكالة الأنباء السورية «سانا» عن تصريحات علاوي، غياب أيّ ذكر لإيران.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى توزيع بيان في بغداد مساء أول من أمس منسوب إلى البيت الأبيض يتحدث عن اتصال هاتفي جرى بين علاوي ونائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن أكد في خلاله الأخير أن واشنطن «تشارك العراقيين هدف تأليف حكومة شاملة تعكس نتائج الانتخابات» وأنها «لا تدعم مرشحاً بعينه». الغريب في هذا البيان أمران: الأول، تفسيره للعبارة الأخيرة بأنها تبرؤ أميركي من أي دعم للمالكي. أما الثاني، فهو عدم وجود أي أثر له على الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض.
وفي السياق، تنقل مصادر قيادية عراقية عن مصادر أميركية معنية قولها إن قرار الإدارة الأميركية بتأييد المالكي جاء في خلال اجتماع عقده الرئيس باراك أوباما لأركان إدارته المعنيين بملف العراق، وبينهم بايدن. «سألهم: لو جاء علاوي رئيساً للوزراء، هل يستطيع أن يحكم؟ كان الجواب لا. عاد وسأل: لو جاء المالكي، هل هو قادر على أن يحكم؟ كان الجواب نعم. فقال: المالكي إذاً».