عادت رأس الخيمة في دولة الإمارات إلى الواجهة، في حراك يبدو أنه يهدف إلى محاولة حسم هوية حاكم الإمارة المقبل وولي عهده، مع تدهور صحة الحاكم الحالي صقر بن محمد القاسمي. والخلاف بات محتدماً بين ولدي الحاكم، ولي العهد السابق خالد وولي العهد الحالي سعود، وسط إصرار الأول على العودة إلى منصبه مهما كان الثمن، ولو تطلب ذلك الاستعانة بإسرائيل
جمانة فرحات
«سأواصل اعتراضي على القرار ما حييت». بهذه العبارة ختم خالد القاسمي حديثه لإحدى الصحف العربية بعد أيام معدودة من إقصائه عن ولاية العهد في إمارة رأس الخيمة الإماراتية في حزيران 2003، لمصلحة أخيه غير الشقيق سعود بن صقر القاسمي، بعد 45 عاماً من توليه المنصب.
سنوات سبع مرت على الإقصاء من دون أن تجعله يتراجع عن مخططه، فكانت مطالباته تعلو حيناً قبل أن تعود وتخفت. إلا أن الخطى نحو الهدف المنشود تسارعت وسط الأنباء التي تحدثت عن أن والده صقر بن محمد القاسمي بات على فراش الموت. ووفقاً لتفاصيل كشفتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، في تقرير نشرته في الثالث عشر من شهر تموز الماضي، تبلّغ خالد قبل ثلاثة أشهر أن الحالة الصحية لوالده، الذي تخطى التسعين، تتدهور على نحو متسارع، ما دفع خالد إلى الاستنفار باعثاً برسائل إلى جميع جماعات الضغط المتفق معها على تصعيد تحرّكها، أملاً في اقتناص فرصة استعادة المنصب قبل حدوث الوفاة.
فما دام حاكم الإمارة لا يزال على قيد الحياة، فإن نجاح خالد في مخططه سيضمن له استعادة منصب ولي العهد ليتحول حكماً إلى الحاكم المقبل للإمارة. أما في حال بقاء الحال على ما هي عليه عند وفاة صقر، فإن سعود سينال المنصب، مع ما يعنيه هذا الأمر من تعقيد في مهمة أخيه، الذي سيكون عليه التركيز على «انقلاب» يطيح الحاكم.
وشهدت خطة خالد تصاعداً ملحوظاً منذ عام 2008، وفقاً لما كشفته صحيفة «الغارديان» البريطانية، التي انفردت على مرحلتين، في شهري حزيران وتموز، في إبراز تفاصيل المخطط وسط معطيات تفيد بتعمد الاستخبارات البريطانية، التي تمتلك مصالح رئيسية في رأس الخيمة، تسريب معلومات المؤامرة وكشفها للصحيفة، ولا سيما أن المصالح البريطانية في الإمارة ستكون عرضة للضرر في حال نجاح مخطط إطاحة ولي العهد الحالي على حساب مكاسب ستحققها الولايات المتحدة الأميركية.
وبعد فترة من الهدوء النسبي قضاها متنقلاً بين سلطنة عمان، التي كانت أول بلد التجأ إليه خالد طلباً للعون، وبريطانيا، قرر ولي العهد المقصى تكليف المحامي البريطاني، بيتر كاثكارت، الذي يدير شركة متخصصة في نقل الملكية والوصايا، للتنسيق مع مراكز قوى أميركية وشركات متخصصة في العلاقات العامة للقيام بـ«الانقلاب الأبيض»، بتكلفة قدرت بـ 3.7 ملايين دولار.
وفي ظل وفرة الأموال، لم يتوان كاثكارت عن الانتقال إلى الولايات المتحدة، حيث تمكن من عقد لقاءات رفيعة المستوى للشيخ خالد مع عدد من مسؤولي الإدارة وأعضاء من الكونغرس مهتمين بالشأن الإيراني، إلى جانب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ولا سيما أن خالد لا يزال يحتفظ بعلاقات مع عدد من النافذين الأميركيين، وتحديداً في عهد الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون.
كذلك تعاقد كاثكارت مع عناصر سابقين في القوات الخاصة الأميركية واستراتيجيين، ولكل من هؤلاء مهمات منوطة بهم في المخطط، بدءاً بالمجموعة التي تولت مهمة تعزيز تواصله على شبكة الإنترنت، والإعلانات في كبرى الصحف الأميركية وفي الشوارع، فيما تولت شركات أبحاث كتابة تقارير عن الروابط بين إمارة رأس الخيمة وإيران، فضلاً عن وجود مخاطر أمنية في الإمارة. وأخيراً تعاقد خالد مع شركة «فينابل ال ال بي» الأميركية «لنشر رسالته عن السلام والازدهار والأمن في منطقة الخليج العربي وتعزيز التفاهم والعلاقات المتبادلة بين رأس الخيمة والولايات المتحدة».
وفي السياق، نجح فريقه في دفع منظمي سباق كأس أميركا لليخوت بالعدول عن اختيار الإمارة مكاناً لإجراء السباق لـ«دواع أمنية».
ولأن الوقت بات ضيقاً أمام خالد، فكان على ما يبدو من الضروري الاستعانة بإسرائيل بهدف إضفاء مزيد من الضغط على مراكز القرار الأميركي. ومرة جديدة خرجت صحيفة «الغارديان» لتكشف تفاصيل لقاءات جمعت بين خالد والسفير الإسرائيلي في لندن، رون بروسر، في شهر آذار الماضي، قبل أن يتواصلا مجدداً في نيسان هاتفياً خلال وجود خالد في عُمان «هرباً من تنصت الاستخبارات البريطانية عليه»، حيث تلقى وعداً من السفير الإسرائيلي بأن المسألة ستحل لمصلحته.
ولأن المساعدة كانت أكثر من مرحب بها من الجانب الإسرائيلي لاعتبارات أمنية، سارع بروسر، وفقاً لـ«يديعوت أحرونوت»، إلى تقديم نصيحة للشيخ خالد بإرسال موفدين منه لمقابلة عدد من المسؤولين في منظمة «ايباك» وهو ما حصل بالفعل.
واللقاءات مع الجانب الإسرائيلي لم يؤكدها الناطق الرسمي باسم ولي العهد المقصى، بيتر راغوني، إلا أنه لم ينفها، واضعاً اللقاءات المختلفة لـ«خالد ومندوبين من طرفه مع سياسيين منتخبين ومسؤولين رفيعي المستوى وإعلاميين من أقطار مختلفة طوال الوقت» في سياق الاهتمام الكبير بعلاقة النظام الحالي في رأس الخيمة بإيران، التي تمثّل رأس حربة خطة الشيخ الهادفة إلى تقويض نظام أخيه سعود، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي.
فولي العهد السابق يلعب على الصعيد الدولي على وتر الموقع الاستراتيجي لإمارة رأس الخيمة، التي تُعَدّ أقرب الإمارات السبع إلى إيران (تبعد 60 ميلاً عنها)، فضلاً عن تمتعها بموقع استراتيجي مهم نظراً لقربها من مضيق هرمز.
ويركز الشيخ خالد في انتقاده لسياسات أخيه على العلاقات بين الإمارة وطهران، ولا سيما أنه عرف بموقفه المتشدد تجاه الخلاف مع إيران على الجزر الثلاث، طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى.
ولجأ ولي العهد السابق مراراً إلى الحديث عن تحول الإمارة إلى ممر لعبور الأسلحة باتجاه إيران، بما في ذلك مواد مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، من دون أن يتوانى عن اتهام «نظام الحكم في إمارة رأس الخيمة بأنه قد وضع دولة الإمارات العربية المتحدة بأكملها في طريق الأذى بسبب علاقاته الوثيقة مع إيران».
وإلى جانب الملف الإيراني، حاول خالد التركيز على تحول رأس الخيمة إلى مركز مرور لعناصر «القاعدة»، فضلاً عن مركز أعمال لكبار تجار السلاح العالميين، وبينهم فيكتور بوت، وممر لتهريب المخدرات والماس.
ولا يزال خالد يعرف عن نفسه بصفته ولياً للعهد ونائباً للحاكم، متسلّحاً بـ«مرسوم أميري استثنائي تصحيحي» يدعي أنه صادر عن والده في الرابع والعشرين من شهر شباط 2004، ينص على إعادته إلى منصبه ولياً للعهد، على أن يعين الشيخ سعود نائباً لولي العهد. وكان لافتاً أن المرسوم، الذي لم يتبنه حاكم إمارة رأس الخيمة، تحدث عنه الشيخ خالد للمرة الأولى في شريط مصور على موقع «يوتيوب» في عام 2008.
ويهدف ولي العهد السابق من خلال كل هذه التحركات إلى تحقيق هدفين أساسيين: الأول إقناع العاصمة أبو ظبي من جهة، والدول الغربية من جهةٍ ثانية، بضرورة تنحية أخيه سعود لما يمثله من «ذراع» إيرانية في المنطقة، وثانياً إبراز نفسه بديلاً مناسباً في حال الاتفاق داخلياً ودولياً على إطاحة ولي العهد، على اعتبار أنه في حال عودته إلى منصبه السابق، أو تولي حكم الإمارة سيكون لاعباً أساسياً في ضمان تنفيذ صارم للعقوبات المفروضة على طهران.

تركز حملة خالد على علاقة الإمارة مع إيران وتحولها إلى ممر لتهريب السلاح والمخدرات

ولي العهد السابق اتصل بإسرائيل وتعاقد مع شركات ترويج بتكلفة 3.7 ملايين دولار

في المقابل، وعلى الرغم من محاولاته التقليل من شأن ما يتردد عن مؤامرة انقلابية لأخيه الشيخ خالد، أطلق ولي العهد الحالي، حملة مضادة للدفاع عن حكمه. وتفيد المعلومات عن تعيينه عدداً من المستشارين الأميركيين، وتحديداً شركة «غافن أندرسون» للعلاقات العامة و«أكين غمب» الرائدة في الاستشارات. كذلك طلب من عدة شركات استخبارية خاصة، بما فيها شركة «كرول»، التحقيق في مؤامرة الانقلاب التي يعد لها الشيخ خالد.
وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن الشيخ سعود يحظى بثقة حكام أبو ظبي؛ إذ بعد أيام قليلة من نشر صحيفة «الغارديان» خبر مساعي الانقلاب، زار محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي يوصف بأنه «الرجل القوي» في البلاد، المستشفى الذي يرقد فيه الشيخ صقر في أبو ظبي، واطّلع على وضعه الصحي قبل أن يجتمع بالشيخ سعود، في ما بدا أنه إشارة واضحة لدعم الأخير لخلافة والده بسلاسة، واستعداد القوات المسلحة المركزية في أبو ظبي للتدخل لمصلحته في حال حدوث أي مشاكل، كما حصل في عام 2003 عندما صدر قرار تسليمه مهمات منصب ولي العهد.


روايات الإقالة

لم يحدد مرسوم إقالة خالد بن صقر القاسمي أي أسباب توضيحية، إلّا أن روايات عديدة صيغت للقرار. وفيما تحدث خالد عن أنه خيّر بين إخراج زوجته فواغي القاسمي وأبنائه من البلاد، وبين الإقالة، تحدث البعض عن محاولته الانقلاب على والده. وتشير إحدى الروايات إلى خلافات نسائية داخل الأسرة، وتحديداً مع زوجة أبيه مهرة بنت أحمد الغرير، والدة الشيخ سعود. كذلك ربط البعض الإقالة بتراكم شكاوى تتحدث عن تعمد خالد عرقلة مراسيم بلدية رأس الخيمة التي كان يرأسها الشيخ سعود في حينه.
أما الرواية الأخيرة، فتشير إلى أن خروج الشيخ خالد إلى جانب زوجته في تظاهرة احتجاجاً على غزو العراق، عجل بقرار الإقالة، وهو ما يفسر محاولاته في التركيز على الحصول على دعم أميركي للتعويض عن «خطئه».