واصل المسؤولون الإسرائيليون التنصّل من اعتداء «أسطول الحرية»، في وقت أكّدت فيه تل أبيب أنها لن تتعاون مع أيّ لجنة تطلب التحقيق مع جنودها
حيفا ــ فراس خطيب
نيويورك ــ نزار عبود
حال من عدم الاستقرار تسود أروقة المستويين السياسي والعسكري الإسرائيليين. فقد عزّزت أحداث الأيام القليلة الماضية خيوط التعقيد في هذين المستويين، بعدما ظهرت ملامح الخلافات والتوتر في حدثين مهمّين تزامنا بعضهما مع بعض.
الأول تمثّل في الكشف عن وثيقة سريّة صادرة عن «مكتب علاقات عامة» تتطرق إلى كيفية استبدال قائد هيئة الأركان، غابي أشكينازي، بقائد المنطقة الجنوبية للجيش يوآف غالانت، بواسطة «تشويه صورة المنافسين» دون إثبات مصدرها حتى الآن.
بينما الحدث الثاني تصدّره مثول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك، أمام لجنة «تيركل» التي تحقّق في قضية السيطرة على «أسطول الحرية».
وقد حمّل نتنياهو باراك المسؤولية ثمّ تراجع، بينما حمّل باراك المسؤولية، في جزئها الأكبر، للجيش، ليزيد من التوتر الموجود أصلاً بينه وبين قائد هيئة الأركان العامة غابي أشكينازي.
وخلافًا لنتنياهو، وصل باراك لمقابلة اللجنة أمس مجهِّزاً نفسه تجهيزاً جيداً. تكلّم لمدة ساعة ونصف ساعة من دون توقّف. حاول أعضاء اللجنة توجيه أسئلة خلال حديثه لكنهم أخفقوا. قال باراك إنهّ يتحمّل مسؤولية قرارات المستويين السياسي والعسكري في بداية شهادته، ولكن مع مرور الوقت، حوّل باراك المسؤولية إلى المستوى العسكري بقوله «في نهاية المطاف، من الواضح أنَّ المستوى العسكري مسؤول عن تخطيط العملية وتنفيذها حتى لو لم يكن التنفيذ متكاملاً»، مبيناً أنه «في المقابل، على المستوى السياسي أن يعرف أن العمليات لا تنتهي كما نريد، وأنا أستطيع أنَّ أعلّل هذا في غرفة مغلقة».
وأوضح باراك أنَّ منتدى السباعية الوزارية كان على علم بالمخاطرة، وبأن توقيف الأسطول لن يكون أمراً سهلاً. وأضاف «كان واضحاً أنَّ الأسطول سيكون عنيفاً أكثر من الأساطيل التي أوقفت في السابق. لكنَّ أحداً لم يتوقع النتيجة النهائية. تسعة قتلى».
وواصل باراك حديثه قائلاً إن «قائد هيئة الأركان عبّر أكثر من مرة عن قلقه من المعنى الجماهيري والإعلامي لاستعمال القوة لوقف الأسطول، لكنه شدّد للوزراء على (أنّ الأمر) لن يكون سهلاً، لكننا سننفّذ المهمة». ولفت باراك إلى أنَّ «المستوى العسكري ملزم بالقول ما إذا كان ممكناً تنفيذ مهمة ألقاها عليه المستوى السياسي. وعليه أن يكون مهيَّئاً للقول إنه مستعد للتنفيذ، لكنَّ الضرر يكون أكبر من الفائدة، لذا فإنّ التنفيذ ليس محبّذاً. وهو مطالب بتوضيح معنى تنفيذ المهمة. وهنا، الجيش وصف الصعوبات باستقامة ومهنية». وأضاف «لكن بحسب ما قاله قائد هيئة الأركان فإنه حتى لو لم يكن هذا سهلاً فإننا سننفذ»، موضحاً «في الجيش قالوا سيكون هناك صدام وجرحى، لكنهم لم يقولوا إنه لا توجد طريقة لتنفيذ المهمة».
وجاءت شهادة باراك بعد يوم واحد من شهادة نتنياهو، الذي وجد نفسه أول من أمس عاجزاً عن إظهار قيادته لدفة التحقيق مع اللجنة، على الرغم من تفصيل اللجنة أصلاً على مقاسه. جلس أمام اللجنة وحمّل مسؤولية الإخفاق لباراك، ثمّ تراجع من بعدها، لكنّ «إدراكه المتأخّر» أظهر روح «بيبي القديم»، غير الجاهز لمواقف كهذه، وفتح عليه نيران الإعلام الإسرائيلي. فكتبت «هآرتس» أنه تنصّل من الإجابة عن عدّة أسئلة، بينما عنونت «يديعوت أحرونوت» عددها بـ «المتعرّج». على الرغم من ذلك، فإن لجان التحقيق الإسرئيلية الداخلية ليست هي ما يشغل رئيس الوزراء في هذه الآونة. ثمة ما يؤرق الإسرائيليّين أكثر، وهو لجنة التحقيق الدولية، التي وافقت إسرائيل على «التعاون» معها، لكنَّها وضعت عليها في الوقت نفسه «خطوطاً حمراء»، بعدما قال نتنياهو أمس إن تل أبيب لن تتعاون مع أيّ لجنة تطلب التحقيق مع جنود إسرائيليين بشأن أحداث «أسطول الحرية».
وفي نيويورك، أعلن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، تعديلاً في هدف اللجنة الدولية، بعد اجتماع عقده مع كامل أعضائها. وقال في بيان «إن لجنة التحقيق ليست مصمّمة لكي تحدد المسؤوليات الجنائية الفردية، بل من أجل دراسة الحقائق وتحديدها مع الظروف وإطار الحادث، فضلاً عن التوصية بكيفية تفادي حوادث مماثلة في المستقبل. ولهذه الغاية، ستتلقى اللجنة تقريرين وتراجعهما، من التحقيقات الوطنية في الحادث، وتطلب من السلطات الوطنية توضيحات ومعلومات ذات صلة حسب ما تحتاج إليه».
إلى ذلك، قال وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أمس إنّ على إسرائيل أنّ تتحمّل مسؤولية قتلها المدنيين في المياه الدولية.
ونقلت وكالة أنباء «الأناضول» التركية عن أوغلو قوله، رداً على تحميل رئيس الحكومة الإسرائيلية تركيا مسؤولية الهجوم، «لا أحد يمكنه إلقاء اللوم في قتل المدنيين في المياه الدولية على الطرف الآخر. الأمر واضح: إسرائيل قامت بذلك».