خاص بالموقع - يروي رسيل الخامري البالغ من العمر 11 عاماً في أثناء عمله في ورشة ميكانيكية في صنعاء كيف انتهت طفولته قبل سنتين عندما فارق والده الحياة في الورشة ذاتها إثر أزمة قلبية، بينما يراقبه شقيقه الأبكم أنور البالغ الثامنة من العمر ليتعلم «الصنعة». وقصة هذين الطفلين اليتيمين تختزل قصة أطفال يمنيين كثر ممن اضطروا إلى ممارسة أعمال شاقة في سن مبكرة، في بلد تفيد دراسة أجرتها منظمة دولية بأن أربعين في المئة من أطفاله ينخرطون في سوق العمل بين سن السابعة وسن الثالثة عشرة.
ويعمل رسيل وشقيقه أنور لإعالة الأسرة التي تتألف من ثلاثة إخوة آخرين لهما والأم.
وقبل عامين، ودع رسيل منطقة الأخمر قرب صنعاء لينتقل إلى العاصمة. ويذكر هذا اليوم قائلاً: «كانت أمي تبكي بشدة» عند رحيله، بعدما عرض عليه صاحب الورشة «تولي عمل والده ليضمن راتبه الشهري الذي كان يكافح به» لإعالة أسرته. ويضيف: «أعمل ليل نهار. أبقى هنا من الساعة التاسعة صباحاً حتى الساعة الرابعة فجراً».
ويقوم الطفل بتعبئة إطارات السيارات بالهواء، وبحرص شديد يحاول ألا ينسى قياس كمية الهواء لكل إطار. لكنه أصبح يتعامل مع قطع غيار السيارات من باب الخبرة، وبات قادراً على تحديد مدى جودتها.
وتقول وزارة الشؤون الاجتماعية إنه لا إحصاءات دقيقة لعدد الأطفال العاملين والمشردين في اليمن. إلا أن منظمة «سي أتش أف إنترناشيونال» التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، قالت إن أربعين في المئة من الأطفال في اليمن ينخرطون في سوق العمل في سنّ مبكرة، أي بين السابعة والثالثة عشرة.
وكشفت دراسة أجرتها المنظمة، أن عشرة في المئة من الأطفال يبدأون العمل في سن التاسعة، موضحةً أن هذه النسبة تزيد مع العمر لتصل إلى 20 في المئة في سن الـ12 عاماً وأربعين في المئة في الثالثة عشرة.
وأوضحت الدراسة أن 60 في المئة من أولياء الأمور يجبرون أولادهم على الانخراط في سوق العمل. ولفتت إلى أن 80 بالمئة من الأطفال يقومون بأعمال شاقة وخطرة، بينما أكد ستون في المئة أنهم استخدموا أدوات خطرة، وتحدث ثلاثون في المئة عن إصابتهم بأذى أو أمراض نتيجة العمل. وقال عشرون في المئة من الأطفال إنهم تعرضوا لتعديات جسدية ومعنوية، بينما تعرض عشرة بالمئة لتعديات جنسية.
وكشفت هذه الدراسة أن قرار الأطفال الالتحاق بسوق العمل في الأساس هو قرار عائلي، بينما يؤدي العامل الاقتصادي دوراً أساسياً في التحاق الأطفال بسوق العمل وتخليهم عن الدراسة. وأشارت إلى أن عدداً من الأطفال معرضون لخطر تهريبهم إلى السعودية عبر الشريط الحدودي السعودي. وأوضحت أن بعض الآباء يشجعون أبناءهم على الهرب إلى السعودية حيث يعملون براتب يصل إلى 1500 ريال سعودي (نحو 400 دولار)، وهو راتب يوازي راتب مدير عام في اليمن، حسب الدراسة.
ورأت الدراسة التي أُجريت بتمويل من وزارة العمل الأميركية أن أولياء الأمور يفتقرون إلى حد بعيد لوعي مخاطر عمالة الأطفال التي تنعكس سلباً على تعليم الطفل وصحته.
وفي السياق، قالت المنظمة اليمنية لحقوق الإنسان «سياج»، إن مئات الأطفال في محافظتي الحجة والحديدة شمال غرب اليمن يعملون في تهريب المخدرات إلى دول الجوار.
وكشف رئيس المنظمة، أحمد القرشي، أن «هناك أكثر من مئتي طفل يستخدمون لتهريب المخدرات إلى السعودية مقابل مبالغ قليلة جداً من المال لهؤلاء الأطفال».
ويقول مدير الدفاع الاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، عادل دبوان الشرعبي، إن السبب الرئيسي لذلك هو الفقر، مؤكداً أن «الحل الوحيد لهذه المشكلة هو تحسين الاقتصاد اليمني».
وتثير مشكلة عمل الأطفال قلق الحكومة اليمنية. لكن هذا البلد الفقير يواجه تحديات اقتصادية كبيرة ويكافح من أجل حماية الأمن والاستقرار السياسي ويطارد شبكات التطرف، لذلك لا تبدو القضية على رأس أولوياته.
وكشفت دراسة نشرها قسم عمل الأطفال في وزارة الشؤون الاجتماعية في حزيران الماضي، أن «192 ألف طفل يعملون في مزارع» حالياً، محذرةً من احتمال إصابتهم بأمراض جلدية أو بالعمى أو الربو أو التهاب الصدر بسبب استخدام المبيدات.
وأوضحت الدراسة أن نصف الأطفال العاملين في قطاع الزراعة يعانون التهابات جلدية، وأن عشرين في المئة يعانون التهابات في الأمعاء. وربطت بين ارتفاع كبير في عدد الأطفال العاملين وتزايد الفقر والبطالة.
ولفت القرشي إلى أنه «في مثل هذه الظروف سيقوم مزيد من الأطفال بأي أعمال بدون التفكير في خطورتها». وأوضح أن أطفالاً في محافظة صعدة حيث تدور معارك بين جماعة الحوثي والجيش اليمني والقبائل المواليه له، يتلقون أجوراً «ليعملوا مقاتلين مأجورين» في الشمال، إما ليحاربوا مع القبائل اليمنية المدعومة من الحكومة ضد الحوثيين أو بالعكس، مشيراً إلى أن «الحكومة تعرف ذلك».
وأكد أنه إضافة إلى العمل في سن مبكرة، يواجه الأطفال أيضاً مخاطر الجوع.
من جهته، قال برنامج الغذاء العالمي، إن «نصف أطفال اليمن يعانون سوء تغذية مزمناً، وواحد من كل عشرة أطفال لا يعيش حتى سن الخامسة» من العمر. وحذّر من أن «هذا المستوى الطارئ من سوء التغذية المزمن يضع اليمن في المرتبة الثانية بعد أفغانستان، بينما يحتل هذا البلد المرتبة الثالثة بعد الهند وبنغلادش في نحول الأطفال».

(أ ف ب)