تظهر تفاصيل جديدة يومياً حول «وثيقة غالانت» في إسرائيل. لا تزال «الحقيقة» مخفية، لكنّ الأكيد هو أنّ الأضواء باتت مسلّطة على رئيس أركان الجيش غابي أشكينازي في أكبر فضيحة تضرب جيش الدولة العبرية منذ نصف قرن
حيفا ــ فراس خطيب
تفاصيل وثيقة غالانت التي كشفت عنها القناة الإسرائيلية قبل نحو أسبوع، لم تعد هامّة. بنودها التي تتضمن توجيهات لتعميق الخلاف بين قائد هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي غابي أشكينازي ووزير الدفاع إيهود باراك من أجل دفع قائد المنطقة الجنوبية يوآف غالانت للفوز بـ«السباق على القيادة» لم تعد هي صلب الإشكالية. والحديث عما إن كانت الوثيقة التي نُشرت «أصلية» أم «مزيفّة» لم يعد التفصيل الأهم، ولا هو أصلاً ما يشغل الإعلام. تكمن الإشكالية الحقيقية في «صراع القمة» داخل المنظومة القيادية للجيش، وصورة «البقرة المقدسة» بعيون الآخرين. وما كتبته سيما كديمون في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس شديد التعبير عن الوضع الحالي: «آمنّا بأنّ هيئة الأركان (قيادة الجيش العليا) هي نوع من المحميّة الطبيعية. ربما ليس بمعناها الحرفي ـــــ أي جسم خالٍ محصّن تماماً من التغييرات والتأثيرات ـــــ ولكن أملنا أنّها (هيئة الأركان) منتدى حصين من التلوثات البيئية. ظننّا أنها رئة خضراء في قلب جسد ملوّث».
رئيس الأركان غابي أشكينازي، الذي أعيد من «الحياة المدنية» بعد حرب لبنان الثانية لـ«يرتب صفوف الجيش»، تمتع بشعبية كبرى بعد الإخفاقات في فترة سلفه دان حالوتس. حتى إنّ عدداً من المعلّقين العسكريين ذهبوا إلى أبعد من ذلك، إلى حدّ وصف الصراع بينه وبين باراك بأنه ناتج عن أنّ الأخير يخشى من أشكينازي «نظراً لشعبيته». لكنّ قضية غالانت ألقت في اليومين الأخيرين ضوءاً أسود على أشكينازي؛ فالرجل الذي حاول بمساعدة الإعلام أن يكون «المثل المستقيم»، وجد نفسه في عين العاصفة، وخصوصاً بعد إفادته التي تبيّن من خلالها أنّ الوثيقة وصلته قبل أربعة أشهر، وذلك لا يتوافق مع روح التصريحات الصادرة عن المتحدث باسم الجيش لدى انفجار القضية، وهي تصريحات لم تذكر أو تلمّح إلى أن الوثيقة موجودة بيد أشكينازي.
حينها كثرت التساؤلات: لماذا لم يُطلع أشكينازي الجنرال غالانت، المرشح لخلافته، على الوثيقة؟ ولماذا لم يُطلع إيهود باراك على ما يجري، واختار أن يخوض غمار القضية وحده؟ أكثر من ذلك، فثمة مقرّبون من التحقيق يقولون إنّ أشكينازي كان مقتنعاً بأن الوثيقة أصلية، واستنتج أنّ هناك «حرباً» ضده. لكن ليس هذا هو السؤال.
الزوبعة حول الوثيقة تتشعب يومياً، وتأخذ منحى معقداً، لكن أساسها يتجاوز بنودها. إنها أزمة تغمر سيولها المستويين العسكري والسياسي. وليس صدفةً أنّ0 أحد كبار المعلقين السياسيين في صحيفة «هآرتس»، آلوف بن، عاد وشبّه «وثيقة غالانت» بالفضيحة الإسرائيلية الأكبر في الأجهزة الأمنية منذ خمسينيات القرن الماضي. كتب بن: «قبل 55 عاماً، زُيّفت وثائق ومستندات في وحدة الاستخبارات العسكرية لاتهام وزير الأمن في حينها بنحاس لافون بالصفقة المشينة (عملية التجسّس والتخريب لشبكة الموساد في مصر). ورغم الشكوك التي دارت حول أمانة الأدلة ضده، أُقيل لافون من وظيفته». وتابع بن: «إن الكشف عن التزوير بعد سنوات، ومطلب لافون تطهير اسمه، خلقا عاصفة سياسية أدّت إلى سقوط أبي الدولة دايفيد بن غوريون. واليوم، إذا تم التحقق من الشبهات (حول قيام ضباط في الجيش بتزوير وثيقة غالانت)، فإنّ القضية لن تكون أقل خطورة من قضية لافون».