اسمها الأصلي «بطاقة تسجيل». أعطتها الأونروا للاجئين المسجلين رسمياً لديها. لكن الاسم الذي اشتهرت به هو «كرت الإعاشة». فبناء على البطاقة كان اللاجئ يحصل على حصته التموينية. بعد أوسلو تغيرت الأحوال. هنا مقارنة بسيطة بين الأمس واليوم
قاسم س. قاسم
يحمل اللاجئ الفلسطيني في لبنان ومختلف أماكن عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين هويتين. واحدة صادرة عن الدولة التي لجأ إليها، وأخرى أممية، وهي عبارة عن بطاقة بيضاء مستطيلة مدوّن عليها اسم اللاجئ وأسماء أفراد عائلته بالإضافة لأي فرد جديد قد ينضم الى هذه العائلة. الهوية الأممية، اسمها الرسمي غير المعروف «بطاقة تسجيل ــــ وكالة الغوث الدولية»، أما الاسم الشعبي والمتداول بين الفلسطينيين فهو «كرت الاعاشة»، لأنه بعد نكبة عام 48 وإنشاء وكالة الأونروا عام 1950، عملت الاخيرة على إحصاء الفلسطينيين المهجرين في سجلاتها بهدف معرفة أعدادهم وتقديم المساعدات الإنسانية لهم. فكانت العائلات الفلسطينية الحاصلة على بطاقة تسجيل في الوكالة مجبرة على إظهارها كي تستطيع الاستفادة من المساعدات المقدمة من وكالة الاونروا، وخاصة لجهة الحصة التموينية، الإعاشة. هذه الاخيرة، كانت وافرة في الايام الاولى للجوء. لا بل انها استمرت حتى عام 82 حيث بدأت خدمات الاونروا تنخفض تدريجياً. لكنها برغم ذلك حافظت على اسمها الشعبي. بعد الاجتياح الاسرائيلي لبيروت، وبعد توقيع اتفاقية اوسلو انخفضت المساعدات المقدمة من الاونروا الى اللاجئين الفلسطينيين كثيراً، واليوم لم يبق من «كرت الاعاشة» شيء سوى اسمه. فالاعاشات لم تعد تصل الى المخيمات، ولم يعد الفلسطينيون ينتظرون في الصفوف الطويلة لأجل
فرضت الدولة اللبنانية على اللاجئين كرت الإعاشة كورقة ثبوتية يجب تقديمها عند استصدار أي معاملة
الحصول على حصتهم من الطحين، الزيت، السكر، الارز وعلب السردين. اليوم لم يعد للإعاشات وجود لتُوزّع، كما لم تعد السفن المحملة بالطحين تنتظر في المرافئ اللبنانية ليجري تفريغها وتوزيع حمولاتها على الفلسطينيين. هكذا، عاد كرت الاعاشة مجدداً الى وظيفته الاساسية كورقة ثبوتية ورسمية يستخدمها الفلسطينيون في لبنان ورقة اضافية مطلوبة لإتمام معاملاتهم القانونية. ففي عام 1993 وبعد عمل الاونروا على تبديل شكل بطاقة التسجيل من ورقة زهرية مربعة الى بيضاء مستطيلة، ألزمت الدولة اللبنانية اللاجئين بإضافة «كرت الاعاشة» الى الوثائق الأخرى مثل إخراج القيد او الهوية، كورقة ثبوتية يجب تقديمها عند استصدار أي معاملة رسمية. وفهم من هذا الإلزام الحرص على استخدام كلمة لاجئ، والحجة المعتادة «منع التوطين». اليوم تغيرت أحوال حاملي كرت الاعاشة فمرحلة ما قبل أوسلو ليست كبعدها. اليوم لم يعد كارت الاعاشة يعني فاتن محمد، ابنة مخيم شاتيلا كثيراً. في منزلها الصغير في المخيم تجلس السيدة الأربعينية تحت صورة ابنها الراحل وتقول «قبل كانوا يعطونا طحين لمدة شهر، كنّا اربعة بالعيلة وأنا خامسة كنا نأخد خمسين كيلو طحين لمدة شهر، كمان كنا ناخد خمسين كيلو رز وسكر». لا تنكر السيدة أنها في بعض الاحيان «كنت أبيع الطحينات لانو كان يفضّل عندي من الشهر إللي قبلو، وكنت استفيد من المصريات اللي بيطلعولي» تقول. أما اليوم ومع أفول نجم كرت الاعاشة فلم تعد فاتن محمد تستفيد منه بشيء لان الأونروا ببساطة «عم تخفض خدماتها». أما المنفعة الوحيدة من كرت الاعاشة اليوم فهي فقط «في بعض الخفوضات التي أحصل عليها في مستشفيات الهلال». هكذا، كان الفلسطينيون يستفيدون من الاعاشة التي كانت تقدم اليهم كل شهر أو اثنين والتي كانت توزع بحسب أعداد أفراد العائلة المسجلين على الكرت. ومع تراجع خدمات الاونروا التي كان بعض اللبنانيين يحسدون الفلسطينيين عليها، لم تعد الاعاشة تعطى إلا لفئة «القضايا» أي المعتبرين من حالات الفقر المدقع في المخيمات الفلسطينية، والاعاشة لم تعد «محرزة» أصلا، فهي الأخرى تراجعت نوعيتها وكميتها. في مخيم آخر وفي برج البراجنة تحديداً يذكر مدير سابق للمخيم رفض الكشف عن اسمه كيف كانت خدمات الوكالة الاجتماعية، التربوية، أو الصحية، تؤمن احتياجات أبناء المخيم. فمن الناحية الاجتماعية كانت الوكالة تقدم قروضاً ميسرة للاجئين بهدف فتح أعمال صغيرة تساعدهم على تحسين أوضاعهم، أما في أيامنا هذه فهي «لا تزال تقدم هذه القروض لكن بشروط تعجيزية ومنها إيجاد كفيلين من أجل إقراض اللاجئ». أما من الناحية التربوية فكانت الوكالة تتكفل بتأمين الشنطة، الكتب، القرطاسية للتلامذة الفلسطينيون، فيما ما تقدمه الوكالة اليوم هو تجهيزات بسيطة من القرطاسية. أما الكارثة الكبرى في تحولات كرت الإعاشة، فهي في الوضع الصحي. حيث كان كرت الاعاشة قبل عام 82، بمثابة «كارت بلانش»، أي تأشيرة مرور لجميع مستشفيات لبنان. ويقول المدير السابق للمخيم إنه «كان بإمكاننا الدخول الى مستشفى الجامعة الأميركية، نخضع للعلاج فيها ونخرج دون أن ندفع أي مقابل، أما في أيامنا هذه فإن الأونروا تتكفل بتأمين المنامة للمريض لمدة ثلاثة أيام فقط، مهما كانت العملية التي يخضع لها مهمة أو خطيرة». هكذا، سيبقى الفلسطيني ملزماً بحمل كرت الإعاشة، بما يذكره بأنه لاجئ، لدى استصداره أي معاملة رسمية، وخصوصاً أنه يخشى عليه في ظل الامتيازات «الضخمة» التي يعيشها في المخيمات أن ينسى هذه النقطة الهامة في لبنان.


ينقسم المجتمع الفلسطيني إلى ثلاث فئات، الأولى: المسجلون في الأونروا ووزارة الداخلية والبلديات اللبنانية وهم الذين يستفيدون من خدمات الأونروا والتقديمات التي توفرها. الفئة الثانية وهي المسجلة في وزارة الداخلية والتي يمكنها استصدار وثائق رسمية لمدة عام واحد فقط. أما الفئة الثالثة فهي فئة فاقدي الأوراق الثبوتية وهم غير مسجلين لا في الأونروا ولا في وزارة الداخلية. ويبلغ عددهم 3 آلاف الى 5 آلاف شخص وهؤلاء لا يستفيدون من خدمات الأونروا أو تقديمات الدولة اللبنانية فهم ببساطة أحياء غير موجودين.