خاص بالموقع- إنّها الحقيقة التي يتجاهلها الجميع وهي الشبح الذي لا يريد أحد أن يعترف بوجوده. حتى إذا تمكّن الإسرائيليّون والفلسطينيّون من تجاوز كمّ هائل من التشكّك وتوصّلوا إلى معاهدة سلام خلال فترة الاثني عشر شهراً المقبلة فإنّ 40 في المئة من الفلسطينيّين سيكونون جزءاً منها بالاسم فقط، لأنّهم يعيشون في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس). ويقول قادة حماس، التي لن تشارك في المحادثات، إنّهم لن يمنحوا إسرائيل أهمّ ما تحتاج إليه من أيّ اتفاقية سلام في الشرق الأوسط وهو الاعتراف بالدولة اليهودية، وإضفاء الشرعية على وجودها في الشرق الأوسط.
ويعدّون خصومهم من حركة فتح في الضفة الغربية، التي ستتفاوض مع إسرائيل على مدى العام المقبل، مهادنين وخونة لما يصل إلى 2.5 مليون فلسطيني يعيشون تحت إدارتهم في الضفة الغربية المحتلة.
وستبدأ التسوية لـ«إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة»، وهو ما نصّت عليه وثائق موجودة منذ 20 عاماً، بعنصر خيالي... فالوضع الراهن يقول إنّ 1.7 مليون فلسطيني، هم سكان غزة، لن يكونوا جزءاً من هذه التسوية.
لكن ما من أحد يرغب في إغراق الآمال الجديدة في مهدها لذلك يجري تجاهل هذه الحقيقة البغيضة، في الوقت الذي تُستأنف فيه محادثات السلام تحت إشراف الولايات المتحدة بقمة تعقد في واشنطن في الثاني من أيلول المقبل.
وفي خطاب موجه إلى كاثرين اشتون كبيرة مسؤولي السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أبدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس موافقته على المحادثات، ولم يذكر غزة، وهو القطاع الذي أصبح منفصلاً عن الضفة الغربية ليس من الناحية الجغرافية فحسب، بل أيضاً بانقسام ايديولوجي شديد.
وكان كلّ ما كتبه عباس هو «نشير إلى أنّ دولة ذات حدود مؤقتة ليست خياراً مطروحاً بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني».
وعندما سأل التلفزيون الإسرائيلي عباس أخيراً كيف سيحقق المعادلة الصعبة أجاب «سنحلّ مشكلة غزة وحماس»، لكنّه لم يحدد كيف. وفي الأسبوع الماضي قال للصحفيين إنّه إذا جرى التوصل غداً إلى اتفاق سلام، فلن يمكن تنفيذه دون إنهاء هذا الانقسام.
وليست هذه هي فقط الحقيقة الوحيدة التي يتجاهلها الجميع، إذ إنّ إسرائيل أيضاً منقسمة على مسألة قبول مبدأ قيام دولة فلسطينيّة.
وسيتطلّب أيّ اتفاق سلام تنازلات إسرائيلية ستعارضها قاعدة كبيرة فيما يصفه جورج فريدمان من «ستراتفور» بأنّه نظام سياسي «لاذع ومضطرب» يميل نحو الشلل التام.
وأضاف فريدمان إنّ أيّ فصيل في الائتلاف المكون من ستة أحزاب، الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ربما يعيق أي اتفاق. ومضى يقول «لم يكن هناك زعيم إسرائيلي منذ مناحيم بيغن قادر على التفاوض وهو واثق من موقفه».
وفي عام 2005 تغلب رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون، الذي أصيب بجلطة في الدماغ لاحقاً، على المعارضة للحصول على تأييد الائتلاف لانسحاب إسرائيل من جانب واحد من غزة، وأخرج المستوطنين اليهود في مشاهد أثارت استياءً في الداخل.
وإذا توصل نتنياهو إلى اتفاق مع عباس فسوف يتطلب ذلك انسحاباً أكبر من المستوطنين أو عمليات إجلاء، لكن مع وجود مساندة من الحكومة، التي قد تصبح أكثر قوةً بعد انتخابات عامة فإنّ اسرائيل قد تأمل تنفيذاً سلمياً لأيّ معاهدة يجري التوصل إليها في نهاية المطاف مع الفلسطينيّين.
لكن كيف سيتمكن عباس من تنفيذ الاتفاق من جانبه، الذي من المفترض أن ينطبق قانوناً على غزة، هو سؤال آخر. لقد أصبح القطاع الآن خارج سيطرته تماماً.
وفي كلمة ألقاها خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس في العاصمة السورية، دمشق، يوم الثلاثاء قال إنّ عباس على قدر كبير من الضعف لدرجة تحول دون توصله إلى سلام عادل مع اسرائيل.
وقال مشعل «فشل المفاوضات مشكلة ونجاحها مشكلة.. نجاحها سيكون بالمقياس والشروط الإسرائيلية.. ما يعني تصفية القضية الفلسطينية، من حق العودة والقدس وأرض 1967.. نجاح المفاوضات مشكلة لأنّها ستنجح لمصلحة إسرائيل».
ويعتقد دبلوماسيون غربيون أنّ جهود مصالحة حماس وفتح لن تندرج على الإطلاق في جدول الأعمال خلال فترة المفاوضات الممتدة 12 شهراً.
ويقول دبلوماسيون غربيون إنّه إذا توصل عباس إلى اتفاق مع إسرائيل فإنّ حماس إمّا أن تتصالح مع فتح وتؤيد الاتفاق، أو تتيح لشعب غزة التصويت على التسوية في استفتاء أو ترفض الاتفاق كليّة ولا تمنح الناخبين أيّ فرصة.
وقال فريدمان «إذا قدمت فتح التنازلات اللازمة التي قد تجعل اتفاق السلام ممكناً فإنّ حماس لن تعارضها فحسب، بل سيكون لديها أيضاً وسائل للقضاء على أي شيء له صلة بغزة».
وبما أنّ حماس لا تزال تتمتع بتأييد داخل الضفة الغربية، فإنّ هناك قدراً كبيراً من المخاطر المقبلة في حال فشل المحادثات، بما في ذلك احتمال ظهور دعوات للعودة إلى المقاومة.
لكن غزة مفلسة وحماس رغم علاقتها التي تزداد قرباً بإيران لا تزال تعتمد بشدة على الدعم المالي من الدول العربية ونصيب من أموال المساعدات التي يحصل عليها عباس من أنصاره الغربيّين. وهذا الاعتماد قد يجعل موقف عباس أقوى.
وإذا اتّضح أنّ الفلسطينيّين أو الإسرائيليّين أو كليهما منقسمون انقساماً كبيراً لدرجة تحول دون تنفيذ التسوية بعد المفاوضات، فالبديل موجود، وهو أنّ الولايات المتحدة وشركاءها يحاولون فرض اتفاق والاعتراف بالدولة الفلسطينية، التي يعتزم رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض الانتهاء من الإعداد لها بحلول منتصف 2011.
(رويترز)