strong>فراس خطيب من يمرّ بين أزقة حي سلوان، المحاذي لأسوار البلدة القديمة في القدس المحتلة، فسيتنبأ حتماً بـ«الانفجار القادم». منذ احتلال القدس الشرقية، وأهل هذا الحيّ، كما باقي الأحياء المقدسية، يراكمون الحصار من عام إلى آخر. عشرات البيوت مهدّدة بالهدم لبناء «حديقة توراتية»، وبيوت أخرى تنتظر ترخيصاً منذ عام 1967 من دون جدوى. بطالة مستشرية، وفقرٌ أشدُّ استشراءً ومستوطنون متطرّفون يسكنون في مركز قلب الحي، يتحصنون فيه، ومن حولهم حراسة مشدّدة على مدار الساعة. يزيدون الحصار الخارجي بآخر داخلي.
أهل سلوان لا يعرفون شيئاً غير حاضرهم. المفاجآت قد تأتي يومياً، من بلدية الاحتلال أو ربما من وزارة الداخلية؛ وربما أيضاً من آلات الحفر التي تعمل ليلاً ونهاراً على مقربة من بيوت حي وادي حلوة في سلوان.
يوم أمس كان مثالاً، من بين أمثلة أخرى قد تأتي، للانفجار المؤجّل. ففي ساعات الفجر الأولى، فوجئ أهل سلوان بضجيج المستوطنين الذين حاولوا اقتحام أحد المساجد. حدث يكفي لإشعال فتيل الصراع، وانفجار حالة الاحتقان الأزلية بين سكان المكان الأصليين وبين المستوطنين المدججين بالسلاح والآتين إليها من أماكن غير معروفة.
بدأت المواجهات. قوات كبيرة من حرس الحدود الإسرائيلي حضرت الى المكان. أطلقت العيارات المطاطيّة والغاز المسيل للدموع. اشتدّت المواجهات أكثر في ما بعد، فأحرق الأهالي أربع سيارات ودراجتين ناريتين تابعة للمستوطنين الذين فرّوا من المكان وهم يطلقون النار عشوائياً. وبحسب شهود عيان، فإن جنود الاحتلال حاولوا اعتقال فتى من وادي حلوة، وأطلقوا الغاز المسيل للدموع على مجموعة من الشبان بعد محاصرتهم، ما أدى إلى إصابة البعض منهم إصابات طفيفة على أثر استنشاقهم الغاز.
وكانت سلطات الاحتلال قد اعتقلت على مدار الفترة السابقة ما يقارب 300 فتى فلسطيني بشبهات مختلفة، وعادة يُفرج عنهم ولكن اعتقالهم يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان.
وأحرق الشبان الفلسطينيون الغاضبون مدخل عين الحمرا الذي يقع تحت سيطرة الموقع الاستيطاني السياحي المسمى مدينة داوود، والذي تديره جمعية المستوطنين «إلعاد». كما ألقوا الحجارة والقنابل الحارقة على الشرطة وعلى السيارات، ما أدى إلى احتراق ست سيارات.
من جهتها، قالت لجنة الدفاع عن سلوان، في بيان، إن «مجموعة من مستوطني جمعية «إلعاد» اليهودية المتطرفة المسلحين حاولت اقتحام مسجد عين سلوان من أحد أبوابه مستخدمين الأوكسجين لتحطيمه، إلا أنهم لاذوا بالفرار سريعاً مع وصول السكان إلى المكان».
وذكرت اللجنة أن هذه هي المرة الثالثة التي يعتدي فيها المستوطنون على المسجد قرب عين سلوان. وأوضحت أنه مع عودة المستوطنين ورفع نداءات الاستغاثة من مآذن مسجد عين سلوان هرعت قوات كبيرة من الجيش الاسرائيلي باتجاه منطقة وادي حلوة، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة أطلق خلالها الحرس المسلح للمستوطنين النار نحو السكان.
ولفت بعض السكان إلى أن المستوطنين حاولوا الوصول إلى نبع مياه يعتبره يهود ملتزمون دينياً مكاناً مقدساً من خلال عبور فناء مسجد.
وينتمي هؤلاء المستوطنون إلى جمعية «إلعاد» الاستيطانية الناشطة بين أسوار البلدة القديمة وخارجها. هذه الجمعية، التي تملك أموالاً هائلة، تعمل منذ زمن على تهويد المكان بطرق عديدة، منها الاستيلاء ومنها محاولة الشراء، وغيرها الكثير من أساليب المراوغة.
وقد ندّدت حركتا «فتح» و«حماس» باعتداءات المستوطنين. فقال المتحدث الفتحاوي، أسامة القواسمي، إن حوادث انتهاك حرمات المساجد ارتفعت وتيرتها بعد قرار الإدارة المدنية الإسرائيلية هدم المسجدين في بورين والجلزون الواقعين في المناطق الفلسطينية، فيما قال المتحدث الحمساوي سامي أبو زهري إن «ما يحدث في سلوان تزامن مع الحملات المتصاعدة من سلطة رام الله ضد المساجد؛ حملة منسقة بين الطرفين».