هلّ شهر رمضان على عين الحلوة. في مثل هذه الأيام، لا يعود المخيم يشبه نفسه. يستعيد فيه الأهالي أوقات الفرح والهدوء المترافقة مع استرجاع الكثير من العادات الرمضانية التي لم تعد موجودة في أماكن أخرى
سوزان هاشم
لا تكاد «قرنة» في عين الحلوة تخلو من المظاهر التي ترافق شهر رمضان. فكل شارعٍ هلّ فيه هلال رمضان، بدءاً من الزينة، إلى بائعي العصائر والحلويات، إلى فرق الأناشيد التي تجوب الشوارع ليلاً، وصولاً إلى المُسحِّرين الموزعين على كل حيٍّ من أحيائه.
فرغم الفقر والمعاناة اللذين يحاصران أهل المخيم، إلا أن لهذا الشهر فضائل كثيرة، فلا أحد يشعر «في رحاب هذا الشهر بالعوز المادي أو النقص»، يقول أبو صلاح حسن راضياً. يعدّد الرجل فضائل الشهر «التي لا تنحصر بالناحية الدينية فقط، بل المادية أيضاً». فكيف لا، وقد استطاع رمضان أن يعفيه، ولو استثنائياً، من مهنته «الأصلية»، مياوماً دائم البحث عن عمل، إلى صاحب «بسطة عصير من جلّاب وتمر هندي وسوس»، في أزقة المخيم. أضف إلى ذلك المساعدات المادية التي تقدّم لفقراء المخيم، في هذه المناسبات تحديداً، وهي عبارة عن «مساعدات غير منظورة، من زكاة وصدقات مفروض على ميسوري الحال دفعها في رمضان، وهي تُنقل من أيدي هؤلاء إلى المحتاجين في المخيم، وما أكثرهم فيه»، يشرح عضو اللجنة اللبنانية ـــــ الفلسطينية للحوار والتنمية أبو وائل كليب. يستفيض كليب في شرح هذه المساعدات، متحدثاً عن «نظام التكافل السائد في المخيم الذي من شأنه أن يخفّف بعض الشيء عن كاهل اللاجئين». لهذا السبب، «نقول إن رمضان كريم حقاً، فرغم كل ما نعانيه من سوء الحال، بيد أنه يبقى هناك بعض أهل الخير، وهو يجعل حالتنا مستورة، والحمد لله»، تضيف أم سمير العلي. يحافظ أهل المخيم على بعض العادات الرمضانية الموروثة، بحيث «يلتئم شمل العائلات حول موائد الإفطار يومياً، فيما العائلات التي تنفرد بتناول طعام الإفطار دون الجيران والأقارب والأصحاب قليلة فعلاً في المخيم»، كما يلفت محمد الدنان، أحد أبناء المخيم. ليس الإفطار فحسب، فالصائمون في المخيم ما زالوا يستيقظون في أوقات السحور على طبول المسحّرين، بحيث يتسلم كل مسحراتي حيّاً من أحياء عين الحلوة ليؤدي مهمة إيقاظهم. هكذا يكسب هؤلاء المسحّرين أيضاً «أجرَين: أجراً من الله، وأجراً من العباد، أي أهالي الحيّ الذين يدفعون لنا ما تيسر لهم من مال في نهاية الشهر، تقديراً لما نقوم به خلاله»، بحسب تعبير المسحّر أبو تيمور. إلى ذلك، تجوب فرق مؤلفة من شبان المخيم المتطوعين أحياء عين الحلوة ليلاً. ينشدون ويغنّون، فتملأ أصواتهم أرجاء المخيم، وتختلط مع أصوات الطبول، لتكتمل «السيمفونية الرمضانية» ليلاً مع حركة المارة في الأسواق التي تفتح حتى ما بعد منتصف الليل، والتي تشهد ازدحاماً شديداً في تلك الأثناء.
والبرامج المعروضة خلال رمضان عبر الفضائيات، وهي متوافرة بالمخيم، تُعَدّ «فشة خلق إضافية» في هذه الفترة، بالنسبة إلى أهل المخيم. والسبب، حسب ما يشرح حسن شهاب، أنها «شعبية، وتبثّ فينا الحنين إلى بيئة أجدادنا، أضف إلى ما تتضمن قصصها من الحثّ على مقاومة الاستعمار». أما بالنسبة إلى المحطات المحلية «فلم تعد تشهد إقبالاً كما في السابق بعدما باتت الفضائيات تغزو المنازل»، يصرح أبو وائل كليب.
في عين الحلوة، لا يزور النوم البيوت إلا نادراً. ففي هذا الشهر، تبقى عيونهم ساهرة، ويحاولون استغلال كل الأوقات في اللهو والفرح والسهرات التي لا تتكرر كثيراً في عين الحلوة تحديداً، وفي الإكثار من الدعاء «للتحرر من سياج المخيم والعودة إلى بلادنا في فلسطين»، تختم أم سليمان عوض.


فيضانات باكستان

يتساءل أهل مخيم عين الحوة عن سبب تقلّص الحصص التموينية هذه السنة. فهم اعتادوا في مثل هذه الأيام تسلّم مساعدات محددة من طريق الجمعيات الأهلية. وهنا يشير أبو وائل كليب، عضو اللجنة اللبنانية ـــــ الفلسطينية للحوار والتنمية، إلى أن سبب «الشح هذا العام مرده إلى تحوّل المساعدات التي بمعظمها كانت تأتي من مصادر عربية أو أوروبية إلى منكوبي الفيضانات في باكستان». هذا التحول جعل المساعدات محصورة بـ«أهل الخير داخل المخيم وخارجه، الذين يتذكرون شعبنا الفقير في هذا الشهر الفضيل»، يضيف كليب.