خاص بالموقع- مثل آلاف غيره من الشبّان السعوديين يجد نايف الناصر نفسه ممزّقاً بين مشاعر الحب وسوق العقارات التي أصابها الجمود. ارتبط الناصر (34 عاماً) بخطيبته قبل سبع سنوات. وتدر عليه وظيفته كبائع سيارات دخلاً يبلغ 5000 ريال (1333 دولاراً) شهرياً. وعندما يحقّق مبيعات طيبة يزيد دخله بما يصل إلى 4000 ريال شهرياً فوق الراتب الأساسي. يقول الناصر إنّه في مثل هذا الوضع كان من المفترض أن يكون متزوجاً بالفعل وينعم بحياته. بيد أنّ هناك مشكلة. فالناصر لا يملك منزلاً وإلى أن يحدث هذا يصرّ والد خطيبته على عدم إتمام الزيجة.
يقول الناصر «المطلوب بيت لا شقة، فهو لا يريد لابنته أو شقيقاتها وأمها عند زيارتها أن يشاركهن أغراب في المبنى .. وهو يعني بذلك الجيران».
ولفترة قصيرة فكر الناصر وخطيبته في الإقامة مع أسرته. لكن الناصر قال «أول سؤال يُطرح على صهر المستقبل هو: هل لديه بيت؟ الأمر لم يعد كما كان عليه من قبل عندما كان المطلوب أن تكون لديك وظيفة، وقبل ذلك كان يكفي أن تكون مسلماً صالحاً».
وشراء بيتك الأول يمكن أن يكون تجربة حافلة بالمعاناة في أي بلد في العالم. لكن قلة من الدول تنطوي على نفس المزيج من المشاكل المالية والثقافية مثل السعودية. والعقبة الأكبر هي سوق للرهن العقاري لا مثيل لها، ويبدو أنّها تأسست لتعود بالنفع على ملّاك العقارات الحاليّين والمقترضين الميسوري الحال، بينما توصد أبوابها في وجه الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل.
وتكمن معظم جذور مشكلة الإسكان في التركيبة السكانية التي تشهد تحولاً سريعاً في البلاد. فمع الارتفاع الهائل في عدد العمالة الوافدة زاد عدد سكان المملكة نحو 20 في المئة، ليصل إلى 27.14 مليون نسمة بين عامي 2004 و 2010 وفقاً لإحصاء حديث.
والمسألة ببساطة هي أنّ عدد المساكن لا يكفي الطلب. وإجمالاً تعاني البلاد عجزاً يصل إلى مليون وحدة سكنية، وهو عدد يرتفع بنحو 150 ألف وحدة سنوياً وفقاً لما يقول الاقتصادي المستقل سعود جليدان.
وتقدّر شركة التمويل العقاري (ريفكو) السعودية الخاصة وشركة كلايتون هولدنغز الاستشارية الأميركية أنّ 30 في المئة فحسب من السعوديين يمتلكون الآن مساكن. ويقل هذا أكثر من النصف عما كان عليه قبل 20 عاماً وفقاً لبعض التقديرات، ويمثّل رمزاً صارخاً للتفاوت في توزيع الثروة في بلد هو أكبر مصدّر للنفط في العالم.
هل سيؤدي نقص المساكن يوماً ما إلى إثارة قلاقل اجتماعية؟ لم يذهب أحد إلى هذا الحد بعد. ولكن في تقرير صدر في أواخر تموز الماضي قال البنك الأهلي التجاري إنّ النمو السكاني السريع والعدد الضخم للشبّان السعوديين الذين تقل أعمار ثلثيهم عن 30 عاماً «يمثّلان ضغطاً هائلاً على البنية التحتية للبلاد، بينما يتسبّبان في اختلالات اجتماعية واقتصادية».
ويقول جون سفاكياناكيس كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي إنّ التحدي الذي تفرضه أزمة الإسكان «لا ريب فيه».
لو كانت السعودية قد طوّرت بطريقة أفضل أسواقاً للرهن العقاري وأسواقاً عقارية ثانوية لما نشأت أزمة الإسكان أصلاً.
فالبنوك تقدم قروضاً إلى السعوديين الموسرين. بل إنّه خلافاً للاعتقاد الشائع فإنّ البنوك التجارية تتقاضى فوائد عن القروض فيما تتقاضى البنوك الإسلامية رسماً محدداً عن القرض أو هامش ربح متفقاً عليه.
ولا يزال يتعيّن على السعودية سنّ تشريع لتنظيم الرهن العقاري، وخاصةً ما يتعين عمله في حالة تخلّف المقترض عن السداد.
وفي ظل هذا الوضع تحجم البنوك عن الإقراض على نطاق واسع ويضطر المواطن السعودي إلى الاعتماد على صندوق التنمية العقارية الحكومي، الذي يتيح الحصول على قروض حسنة تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية.
لكن صندوق التنمية العقارية ليس بوسعه تقديم الكثير. ففي عام 2008 لم تتجاوز نسبة السعوديين الذين شيّدوا مساكن جديدة من خلال قروض الصندوق ثمانية بالمئة، وفقاً لتصريح متحدث باسمه. ويقول المنتقدون إنّ الحكومة لا تدعم الصندوق بالأموال الكافية، فيما قال المتحدث إنّ «معدلاً كبيراً لحالات التخلف عن السداد» يضرّ بمساعي تقديم مزيد من القروض.
وحتى إذا كان صندوق التنمية يقدّم مزيداً من القروض فإنّ أشخاصاً أمثال الناصر قد تفوتهم الفرصة، فالسوق الثانوية للعقارات السكنية في السعودية محدودة وأيّ شخص يدخل السوق سعياً وراء مسكن غالباً ما يبني مسكنه ولا يشتريه جاهزاً من غيره. بيد أنّ صندوق التنمية لا يقدّم قرضاً للبناء إلى أن يكون لدى طالب القرض أرض للبناء عليها كما أنّه لا يقدّم قرضاً لشراء أرض.
ومع الشحّ الشديد في كلّ من التمويل والأرض، والنمو السريع في الطلب فلا عجب في أنّ قطاع الإسكان يعاني مثل هذه الأزمة الحادة. ووفقاً لدويتشه بنك فإنّ الرهن العقاري يمثل واحداً بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة. ويقارن هذا مع «أكثر بكثير من 50 بالمئة في أكثر الدول تقدماً، ونحو ستة بالمئة في الكويت، وسبعة بالمئة في الإمارات العربية المتحدة». وفقاً لتقرير البنك الأهلي التجاري فإنّ أكثر قليلاً من الربع فقط من إجمالي 165 مليار ريال (44 مليار دولار) جرى إنفاقها على التشييد في السعودية في عام 2009 ذهبت لبناء وحدات سكنية.
وقال التقرير «الإنفاق على بناء المساكن شهد تراجعاً مطّرداً خلال السنوات الخمس الماضية».
(رويترز)