الدكتور سعد الدين إبراهيم لاعب قديم. قديم جداً في كواليس مستشاري السلطة. عاش سنوات مستمتعاً بالقرب من قصر الحكم، وعاش سنوات الغضب، عقاباً على الخروج عن النص
وائل عبد الفتاح
غضب السلطة بلا حدود، ولا قواعد، هذا ما عرفه الدكتور سعد الدين إبراهيم، ودفعه إلى الوقوف على حافة معارضة النظام، وفي لحظات كثيرة بدا معارضاً أكثر من معارضة لم تعرف طريقها إلى قصر الحكم.
سار إبراهيم مشوار العناد مع النظام إلى آخر الحافة، وهي طريقة ذكية في أن يكون طرفاً، لا مجرد ضحية من ضحايا النظام. استطاع البقاء تحت الضوء ليحمي نفسه من النسيان، واستمرار تأثير اللعنة. وعندما عاد إلى القاهرة بعد غياب، كان الحدث أقرب إلى ميلودراما منه إلى السياسة.
لم يتحدث إبراهيم في السياسة إلا عندما وقع على بيان يجيب عن السؤال الخطأ: هل من حق جمال مبارك الترشح؟ الأسئلة الخاطئة تقود إلى إجابات خاطئة. والدكتور يعرف أن السؤال ناقص، وسيقود إلى خدعة كبرى، لأنه يتناسى النصف الذي يكمل الحقيقة.
يعرف إبراهيم أن المعركة مع مشروع جمال مبارك هي على استغلال النفوذ السياسي للأب
النصف الذي نسيه الدكتور سعد أربك الذين ساروا معه إلى حافة الخصومة مع النظام. هؤلاء شعروا بالصدمة من توقيع الدكتور على بيان «دعم جمال مبارك»، وهو الذي صرخ طويلاً برفض تحويل مصر إلى «جمهوركية». وهذا ما دفع إبراهيم إلى إصدار بيان ينفي «ادعاء» الجماعة التي «تطلق على نفسها» اسم «الائتلاف الشعبي لدعم ترشيح جمال مُبارك»، أنه يدعم هذا الترشيح. وأضاف أن «حقيقة ما صرّحت به لوفد من هذه الجماعة يوم 29/8/2010، حين وفد إلى مركز ابن خلدون، هو أنني مع حق أي مواطن صالح، تنطبق عليه شروط الترشح، بما في ذلك جمال مُبارك، أسوة بغيره من المواطنين، ومنهم على الأخص «الدكتور محمد البرادعي ود. أيمن نور ود. السيد البدوي ود. أسامة الغزالي حرب ود. حسن نافعة وحمدين صباحي ود. أحمد زويل ود. عصام العريان ود. نوال السعداوي ود. حسام البدراوي والمستشار محمود الخضيري والمستشار هشام البسطويسي ورامي لكح».
الأسماء التي أوردها البيان صادمة. إنها ليست جميعاً على قوائم ال، وكلها لا تقف في مكان واحد مع مشروع جمال مبارك.
ويوضح الغرض من البيان، على طريقة «فهمتوني غلط»، «لا ينبغي خلط تأييدي لمبدأ ترشيح أي مواطن تنطبق عليه الشروط لذلك الموقع، وتفضيلي الشخصي أو دعمي لانتخابه»، مشيراً إلى أن ذلك «ينطوي على سوء نية مُبيّت، وعلى تضليل كامل للرأي العام، كذلك فإنه نذير سوء لاحتمالات تزوير قادمة لكل من الانتخابات النيابية 2010 والرئاسية 2011».
يعرف الدكتور سعد من خلال خبرته في مجال السياسة وكواليس قصور الحكم أن المعركة ضد مشروع جمال مبارك ليست على حق الترشّح، بل على استغلال النفوذ السياسي للأب المستقر على مقعد السلطة منذ ٣٠ سنة.
التوريث وصف إعلامي لفساد سياسي، يستغل فيه الابن نفوذ أبيه في الحصول على مميزات ليست متاحة للجميع، وهذا ما يعرفه أشخاص أقل خبرة من الدكتور سعد في مجال ألعاب السلطة.
لكن الدكتور عطّل خبرته، وحذف نصف السؤال، لماذا؟
لا أحد يعرف غير الدكتور سعد نفسه، أو من يحاول استثمار فكرة «التحول» أو التحرك من حافة المعارضة إلى منتصف الطريق.
نعرف أغراض من يروج فكرة أن غلاة المعارضة يتراجعون عن مواقفهم، ويعودون إلى الصواب، ويعرفون أن «جمال هو الحل».
الدكتور سعد هو حسن الختام بالنسبة إلى جمال مبارك والكورس الذي يستعد لأن يصعد المسرح ليغني أغنية «يا جمال يا حبيب الشعب».
يبحث جمال وصحبته عن «بديل» للشعب ليصل محمولاً على الأعناق. هذا البحث هو جزء من الخديعة، التي شارك فيها إبراهيم.
إنها نهاية ظاهرة ضحايا الأبطال، الذين صنعهم غضب السلطة. ولأن أجهزة السلطة تعرفهم أكثر من أي أحد آخر، فإنها تعرف من أين توجعهم، وكيف تنتقم من خروجهم عن القطيع.