مخيم بلاطة ــ معاذ عابدمقابل المدخل الرئيسي للمخيم في «شارع المدارس» يقع بئر يعقوب، وهو مكان مقدس للمسيحيين مر به يسوع الناصري. يقوم على خدمة المكان رهبان أرثوذوكس من اليونان يتكلم رئيسهم العربية بلهجة أهل المخيم وبطلاقة، وطبيعي أن يرفعوا علم اليونان. في الشارع نفسه وقرب المدارس الأساسية للبنين، رأيت علم إيطاليا فظننت أنه لبعثة من بعثات الإغاثة والتبشير المتعددة التي تزور المخيمات الفلسطينية. لكن تبين أن الموضوع لم يتجاوز تشجيع المنتخب الذي خيّب آمال اللاجئين. الأعلام البرازيلية لها حضور واضح، كأعلام بقية الدول التي كانت صراعات كروية حامية الوطيس تدور رحاها بين مشجعيهم في أزقة المخيم البائس. علي ماسورة، كان من أشد المتعصبين للبرازيل واتهم صديقه القديم فؤاد الجماسي بأنه خائن للأمة العربية جمعاء لأنه يشجع منتخب السفاحين الذين قتلوا مليون شهيد في الجزائر وفي سوريا ولبنان، وكذلك كل من يشجع الدول الاستعمارية.
فؤاد الذي كان يدافع بشراسة عن الرياضة الفرنسية ويؤكد أن أغلب اللاعبين من دول أفريقية، وخصوصاً زين الدين زيدان العربي الجزائري الأصل، مشجعو الأرجنتين لا يستطيع علي أن يتفوه بكلمة عنهم، فالثائر الأممي العظيم تشي غيفارا أرجنتيني، وعدو أميركا رياضياً، وهو مارادونا، أيضاً أرجنتيني.
المنتخب السعودي كان له نصيب وافر من الشتائم والسخرية بعكس احترام المنتخب الإيراني الذي فاز على منتخب الولايات المتحدة، فقامت قيامة المخيم ولم تقعد. علي ماسورة استنفد كل ما معه من نقود ليشتري الألعاب النارية، الشباب المسلحون لم يوفروا طلقة في تلك الليلة ابتهاجاً بانتصار إيران على عدو البشرية الأول ولو بكرة القدم. الحلوى وزعت في الشوارع، مسيرات جابت المخيم بعد كل انتصار كروي، لكن هذه المرة أخذ الاحتفال شكلاً سياسياً فحرق في تلك الليلة ما يزيد عن 10 أعلام أميركية.
في اليوم التالي كان الجميع متفقاً على أن نصر إيران على أميركا أبهج الجميع، لكن البعض قلل من قيمته، ما جعلهم يتعرضون لأعنف نقد من علي ماسورة، واشتغل الصراع اليومي مرة أخرى: علي يتهم فؤاد بالخيانة ويشتم فريق موسوليني وفريق هتلر ولا ينسى أن يلعن منتخب إنكلترا على الطالع والنازل. الجو تكهرب عندما شاركهم الحديث فادي الطويل مشجع إنكلترا الوحيد الذي وصفه علي بالعميل مستقبلاً لأنه يشجع من سبب تشريده، ولم يعزّه إلا خروج منتخب «وعد بلفور» من المونديال. أحد الصبية قاطع الطليان والألمان والبرازيليين والإنكليز والأرجنتينيين بجملة جعلتهم يتذكرون أنهم في مخيم للاجئين : «تخيلوا لو فلسطين تتأهل لكأس العالم وتفوز؟» جملة جعلت الجميع يصمت ويسرح بخياله إلى حلم جميل يقارب أحلامهم بالعودة إلى قراهم ومدنهم المسلوبة.