تبادل للاتهامات... وتلكؤ في تنفيذ الالتزامات
جمانة فرحات
عندما أعلنت السلطات اليمنية وجماعة الحوثي، التي بات يطلق عليها اسم «أنصار الله»، التوصل إلى وقف إطلاق نار في شباط الماضي، بعد أشهر من المعارك، طرحت تساؤلات عديدة عن موعد الجولة الجديدة من المواجهات. تساؤلات أثبتت أنها كانت مبررة، ولا سيما أن إشارات الحرب السابعة ربما تكون قد اكتملت، من دون أن تعني أن الطرفين على استعداد تام لها، وتحديداً الحوثيين الذين وضعوا خلال الحرب السادسة بين كماشتي الجيش اليمني والقبائل من جهة والجيش السعودي، الذي دخل طرفاً رئيسياً في القتال للمرة الأولى، من جهةٍ ثانية.
كذلك فإن اندلاع جولة سابعة، ليس مناسباً للنظام اليمني حالياً، في ظل الضغوط الدولية التي يتعرض لها لتضييق الخناق على تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» من جهة، ومواصلة أنصار الحراك الجنوبي لتظاهراتهم شبه اليومية في الجنوب للمطالبة بالانفصال.
ومع ذلك، لم تكد تمضي خمسة أشهر على توقف المعارك، حتى عادت أنباء الاشتباكات العنيفة لتخرق الهدوء الهش على جبهات القتال، وسط إعلان الحوثيين تلقيهم «تهديدات بحرب إبادة شاملة» من مصدر رئاسي يمني، وإرسال السلطات لتعزيزات أمنية إلى المنطقة في مقابل إفراجها عن 165 من أنصار الحوثي.
وتجدد الاشتباكات جاء بعد تبادل الطرفين للاتهامات بالمسؤولية عن خرق اتفاق الهدنة، والتلكؤ في تنفيذ الشروط الستة التي اتُّفق على أن تكون أساساً لوقف إطلاق النار في شباط الماضي.
نقاط يبدو أن الحوثيين قد وضعوها خلفهم بعدما تحدث ممثلهم في محافظ سفيان، ويدعى أبو مالك، عن وجود اتفاق جديد مع السلطة من اثنين وعشرين بنداً.
بنود، وإن تضمنت في جزء منها النقاط الست وتعاملت معها على نحو أكثر تفصيلاً، إلا أنها أضافت سلسلة جديدة من الالتزامات على الطرفين، في مقدمتها إعادة الموقوفين من وظائفهم وصرف مرتباتهم، إلى جانب إغلاق ملف الحرب نهائياً والبدء في الحوار السياسي، و«إعلان صلح شامل كامل بين القبائل» لمدة خمس سنوات لجميع المواطنين في محافظات صعدة وحرف سفيان والجوف والسواد، بعدما أصبحت هذه المحافظات جزءاً أساسياً من المعارك خلال الحرب السادسة.
إلا أن الصلح المنشود لا يبدو أنّ من الممكن أن يتحقق في القريب العاجل، ولا سيما أن القبائل الموالية للحكومة كانت جزءاً أساسياً في الاشتباكات الأخيرة، وسط تمسك طرفي الصراع بأسبابه كل من منظوره.
وإن كانت مصادر اللجنة الأمنية العليا تتحدث عن خرق الحوثيين المتواصل لوقف إطلاق، فإن الحوثيين، على لسان زعيمهم عبد الملك الحوثي، يرون أن «السلطة لا تزال مصممة على خيار الحرب إرضاءً لأطراف خارجية، ورغبات تجار الحروب المستفيدين من إحراق البلد لمصالحهم الشخصية بدلاً من الاهتمام بحل المشاكل السياسية سلمياً وتحسين معيشة المواطنين».
ولأن للطابع الإقليمي نصيبه في المعارك، ذهب البعض إلى تحميل إيران، المتهمة بدعم الحوثيين، مسؤولية محاولة إشعال حرب سابعة، رداً على محاولة «حشرها في الزاوية» بعد إقرار عقوبات جديدة عليها.
ويتيح الحديث عن الاشتباكات المتجددة والتخوف من الحرب السابعة العودة إلى ورقة أعدها القيادي في جماعة «أنصار الله»، محمد بدر الدين الحوثي، في منتصف الحرب السادسة يشرح فيها وجهة نظر الحوثيين من أسباب تكرر الحرب، ويبرز مطالب جماعته.
وقال الحوثي في ورقته، التي حملت عنوان «أضواء على مسيرة أنصار الله: من هم وما هي أهدافهم وعقيدتهم»، «من وجهة نظرنا ونظر الكثير من السياسيين والأحرار الواعين، إنها حرب بالوكالة شنتها السلطات تنفيذاً لأجندة أميركية ضمن مخطط يسعى لإشعال الفتن والحروب، وكذلك تنفيذاً لتوجيهات سعودية». واتهم النظام اليمني بأنه «نظام متهالك، يسعى للاستمرار والتماسك من خلال صنع الأزمات الداخلية».
ورأى الحوثي أن مشكلة الحوثيين مع النظام القائم «هي أساساً مع التسلط والاستعباد الذي تمارسه السلطة»، من دون أن ينسى إضافة بعد إقليمي لنضال الحوثيين بالقول إن «مشكلتنا هي في الأساس مع أميركا وإسرائيل والعدو اللدود للإسلام والمسلمين».
أما عن مطالب «أنصار الله» فلخصها الحوثي ضمن أطر أربعة ثقافية وتنموية واجتماعية وسياسية. ولفت إلى المطالب الثقافية بدعوة السلطات اليمنية إلى التوقف عن محاولة «طمس الهوية الزيدية» للحوثيين ومنحهم «الحرية الكاملة في ممارسة عقائدنا، وشعائرنا، ومناسباتنا الدينية، بما في ذلك إقامة المدارس الدينية، وطباعة كتبنا ونشرها، لكون المدارس النظامية قائمة على أساس الفكر الوهابي».
أما الإطار التنموي، فيكمن عبر تأكيد أهمية مساواتهم «ببقية أبناء المجتمع اليمني في مجال التنمية»، إلى جانب تصحيح أوضاع أنصارهم وتحديداً على الصعيد التعليمي.
أما الإطار الثالث، فهو اجتماعي يشدد على ضرورة «الحد من التلاعب بمقدرات الشعب، والعبث بثرواته، والاستئثار بخيراته، واحتكارها في طبقة من المفسدين على حساب الفقراء المعوزين والمستضعفين من أبناء الشعب».
أما المطالب السياسية فتتلخص في عدم «الارتهان للأميركيين والارتماء في أحضانهم، وتنفيذ أجندتهم»، إلى جانب «الخروج من الوصاية السعودية».
هذه المطالب على كثرتها وصعوبة تحقيقها في ظل الأوضاع المتردية التي يعانيها اليمن تجعل من عودة الحرب السابعة، أمراً متوقعاً في أي لحظة.