Strong>قبول صدري مشروط ينتظر مباركة باقي «الائتلاف»يبدو أن أملاً جديداً قد ولد من رحم اليأس والإحباط من التوصل إلى تسوية تنهي الأزمة الدستورية الحالية في العراق. التيار الصدري قبل أخيراً بنوري المالكي رئيساً للحكومة في إطار صفقة لم تكتمل معالمها بعد، رغم التوصل إلى اتفاق حول «مفرداتها وحيثياتها»، في ظل اعتراضات صاخبة من قبل باقي مكونات «الائتلاف الموحد» مصيرها رهن الساعات المقبلة

إيلي شلهوب
نذر دخان أبيض تحوم فوق بغداد، مصدرها هذه المرة طهران، التي شهدت على مدى الساعات الـ48 الماضية اجتماعات مكثفة بين ممثلين عن مكونات التحالف الوطني العراقي، انتهت إلى حل العقدة الرئيسية باتفاق مبدئي جمع التيار الصدري ودولة القانون على تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة بعد تنفيذ سلسلة من البنود خلال فترة حددت بأسبوع أو عشرة أيام كحد أقصى.
مصدر من «شركاء السر» في عملية التفاوض أكد الاتفاق بين التيار الصدري ودولة القانون، رافضاً الحديث عن اسم رئيس الوزراء. وأضاف إن «فترة الأسبوع حاسمة لجهة إعلان الدخان الأبيض أو العودة إلى المربع الأول، وذلك بحسب استجابة الطرفين في تنفيذ ما جرى التوافق عليه»، مشيراً إلى وجود «اعتراضات صاخبة من باقي مكونات الائتلاف ومن القائمة العراقية».
مصادر وثيقة الصلة بالمالكي أوضحت أن «قبول التيار الصدري بالمالكي رئيساً للوزراء كان الأساس الذي بني عليه الاتفاق»، موضحة أنه «لا تزال هناك بعض النقاط العالقة». وأضافت إن «الأمور المطلوب تنفيذها خلال أسبوع أو عشرة أيام مقدور عليها»، مشيراً إلى أنها «تتضمن إطلاق السجناء وتخصيص بعض بنود الإنفاق في الميزانية، وأمور أخرى لها علاقة بتعيينات إدارية وتوزيع مناصب».
ومع ذلك بدت أوساط المالكي متشككة في إمكان بلوغ الاتفاق نهايته السعيدة، تحت عناوين مختلفة، بينها «تعدد مراكز القرار ضمن التيار الصدري». وأضافت إنه «جرى الاتفاق على مفردات، لكن هذا وحده لا يكفي»، مشيرة على سبيل المزاح إلى «أننا أحضرنا الرز وورق العريش واللحم والطماطم وما إلى ذلك، لكن الشاطر من يستطيع أن يلف ورق العريش».
مصادر عليمة بخفايا البيت الشيعي تؤكد حصول الاتفاق. وتقول «هناك تفاصيل كثيرة. طلبات من فريق، هو عملياً التيار الصدري الذي يحاول الحصول على امتيازات. وهناك فريق آخر يحاول طرح صعوبة تحقيق بعض هذه المطالب. هناك اتفاق على مفردات وحيثيات، لكن الأمور لم تختمر بعد».
ولم يكن ممكناً أمس الاتصال بأي من الشخصيات المعنية بالملف التفاوضي في التيار الصدري ولا في المجلس الأعلى.

الصدريون وقم

وكانت مصادر قيادية في التيار الصدري قد رأت، قبل التوصل إلى اتفاق مع نوري المالكي، أن «مفاوضات دولة القانون والعراقية ترمي إلى طرف ثالث. الأول يستهدف من خلالها الضغط على الائتلاف الموحد، فيما يسعى الثاني إلى الضغط على الأكراد».
وكشفت المصادر نفسها عن أنه «قبل إرسال الرسالة الخماسية الرافضة للمالكي، كانت مفاوضات التحالف الكردستاني معه قد بلغت مراحلها الأخيرة، وكانت لهذا الأخير اليد الطولى مع الأكراد. لكن مع صدور الرسالة، أرسل (رئيس إقليم كردستان مسعود) البرزاني موفداً إلى المالكي أكد له رفض التحالف الكردستاني توليه رئاسة الحكومة. كذلك الأمر بالنسبة إلى العراقية، التي استعادت المطالبة بتولي (رئيسها إياد) علاوي رئاسة الوزراء».
وتشير هذه الأوساط إلى أن بعض مرجعيات قم اتصلت بالقيادات الصدرية أول الأسبوع «وحاولت الضغط علينا للموافقة على نوري المالكي في مقابل تنازلات وتعهدات» من قبل دولة القانون التي أرسلت الثلاثاء «وفداً جديداً إلى قم لحث المرجعيات على ممارسة وجبة جديدة من الضغوط».

الفشل ممنوع

العارفون بما يجري في الكواليس العراقية يتحدثون عن ساعات حاسمة: إما اتفاق على كل شيء، أو انتكاسة لا أحد يعلم كيفية الخروج منها، في ظل غياب أي نص دستوري يؤدي دور الدليل الهادي إلى كيفية التعاطي مع ظرف كهذا، ومع تسارع الخطوات الرامية إلى خفض عديد قوات الاحتلال الأميركية إلى 50 ألفاً قبل نهاية الشهر الجاري. وهو إجراء لا يمكن أن يحصل في ظل غياب سلطة حاكمة في بغداد.
حديث الساعات الحاسمة بني على معطيات محددة تتلخص في توافد ممثلين عن مكونات التحالف الوطني إلى طهران، بدءاً من يوم الثلاثاء، في محاولة تبدو أخيرة للتوصل إلى تسوية داخل البيت الشيعي يخرج من ثناياها مرشح لرئاسة الحكومة.
مصادر قريبة من دوائر صناعة القرار في طهران تؤكد أن «الفشل الإيراني في العراق غير مسموح. المرحلة هي مرحلة إدارة إخراج الأميركي من العراق. إدارة من هذا النوع تتطلب حكومة غير مخترقة، لا من علاوي ولا من غيره، وفيها يصبح أكل الميتة حلالاً»، في إشارة إلى كلام السيد مقتدى الصدر إلى رئيس «المجلس الإسلامي الأعلى» عمار الحكيم حول أنه «لن يقبل بالمالكي إلا على نحو أكل الميتة». وأوضحت «أننا أمام سيناريوات ثلاثة: إما أن نقبل بأن يفرض الأميركي حكومته. أو نقع في المحظور ونعلن الحرب الشاملة عليه، تلك الحرب التي تجنبناها خلال السنوات الماضية. وإما أن ندير عملية إخراج الأميركي من العراق بشكل محنك. اخترنا السيناريو الأخير».

علاوي إلى «الاحتياط»

أكثر ما يلفت المتابع للشأن العراقي مجموعة من النقاط الجديدة التي تميّز حديث الممسكين بالملف العراقي في طهران عند التطرق لإياد علاوي. يبدو كأن هناك حرصاً على عدم كسره. صحيح أن هناك تأكيداً واضحاً على رفض توليه رئاسة الحكومة في الوقت الراهن. لكن الإضافة الجديدة على هذه الجملة هي في عدم ممانعة توليه هذا المنصب في المستقبل. هناك أيضاً هذا الحرص على الإعلان عن عدم وجود معارضة إيرانية لمشروعه الداخلي العراقي، ولا لتوليه أي موقع سيادي آخر، غير رئاسة الحكومة. بل هناك إشارة واضحة إلى عدم وجود ممانعة لتطوير العلاقة معه، بعد الانتهاء من الاستحقاق الحالي.
مصادر قريبة من دمشق تكشف عن أن «سوريا لما تخلت عن إياد علاوي، كان ذلك في مقابل أن يتولى رئاسة الحكومة عادل عبد المهدي»، مشيرة إلى أن التطورات العراقية الأخيرة وضعت عاصمة الأمويين أمام إشكالية دفعت بها بداية الأسبوع الجاري إلى إرسال وفد إلى طهران لبحث هذه القضية.
أما في شأن الزيارة الأخيرة لنائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن إلى بغداد، والعرض الذي تقدم به لحل الأزمة الحكومية، فيبدو أن جماعة علاوي مقتنعون بأنه من «فبركة المالكي، سيناريو وإخراجاً وتسويقاً. وهذا ما يفسر تأكيد العراقية تمسكها بالاستحقاق الدستوري (يعني أن يتولى علاوي رئاسة الحكومة) في خلال الاجتماع الأخير مع دولة القانون». وهناك من ينقل عن علاوي قوله إن «المالكي أراد من كل ذلك الضغط على الائتلاف الوطني للقبول به رئيساً للوزراء».
مصادر تابعت زيارة نائب الرئيس الأميركي تؤكد أن «همّ بايدن كان بحث ملف الانسحاب المرتبط عضوياً بملف الحكومة. الأميركيون ليسوا مشغولين كثيراً بالأسماء. هم يرفضون (إبراهيم) الجعفري. لكنهم لا يمانعون أياً من علاوي وعبد المهدي وحتى المالكي، وفق الترتيب المشار إليه».
الفشل الإيراني في العراق غير مسموح. المرحلة هي لإدارة إخراج الأميركي، وهي تتطلب حكومة غير مخترقة وفيها يصبح أكل الميتة حلالاً
في المقابل، تؤكد مصادر من الحلقة الضيقة المحيطة بالمالكي أن «الطرح أميركي المنشأ»، في إشارة إلى تولي جلال الطالباني الرئاسة ونوري المالكي رئاسة الحكومة وأسامة النجيفي رئاسة البرلمان وإياد علاوي رئاسة المجلس السياسي للأمن الوطني. وتشدد المصادر نفسها على أن «مشكلة هذا الطرح بالنسبة إلينا هي في كيفية توسيع صلاحيات هذا المجلس. مبدأ التوسيع ليس مرفوضاً بالمطلق، لكن الإشكالية حول مداه. هناك مجلس رئاسة له حق الفيتو وبرلمان يمتلك الحق نفسه، وهذا ما يؤدي أصلاً الى تعطيل العمل الحكومي وتأخير صدور القرارات. يريدون مجلساً سياسياً يمتلك هذا الحق، عندها كيف نحكم؟». وتوضح أن «المعادلة بالنسبة الى الأميركيين تبدو على الشكل الآتي: الرئاسة، وإن كانت من حصة حلفائهم الأكراد، إلا أنها بلا صلاحيات. ورئاسة الحكومة الشيعية لا بد أن تبقى إيران أكثر من يمون عليها. ورئاسة البرلمان السنية مآلها الأخير إلى السعودية وسوريا. يريدون كوابح خاصة بهم، يمكنهم من خلالها تعطيل القرارات، ولهذا السبب ابتدعوا فكرة المجلس السياسي للأمن الوطني».
وتضيف المصادر نفسها إن «علاوي تحت الضغط ولن يتنازل إلا في اللحظة الأخيرة. لكن هذا سيكلفه كثيراً»، مشيرة إلى أنه «يريد أن نعترف له بحقه في تأليف الحكومة. إذا فعلنا ذلك، على ماذا نتفاوض إذاً».

نصيحة برئاسة حكومة

مصادر وثيقة الصلة بهذا الملف تؤكد أن الأمور كانت تتجه قبل نحو عشرة أيام نحو إعادة تكليف المالكي برئاسة الحكومة. وتقول «بُذلت جهود وضغوط حقيقية في سبيله، لكنه لم يستجب»، موضحة أن «نصيحة وجهت له: اذهب إلى طهران للقاء (زعيم التيار الصدري) مقتدى الصدر وستعود رئيساً للوزراء. رفض. قال إنه يخشى من أن يعلم أحد بالزيارة فيتهم بأنه يسعى إلى تدويل القضية، هو الذي سعى منذ اليوم الأول إلى إبقائها عراقية. كما خشي من ألا يقبل مقتدى. قال إنه لا يثق به». وتضيف «قيل له إن السيد مقتدى لا يثق بك أيضاً. لكننا نريد وحدة الصف الشيعي بغية الوصول إلى اتفاق يحفظ العراق، فأجاب: أنا ابن عشيرة لا أذلّ. مقتدى يريد أن يذلني وهذا لن أرضى به أبداً»، مشيرة إلى أن «المالكي أعطي ضمانات بأنه سيخرج من عند الصدر رئيساً للوزراء، لكنه رفض. يريد القول للجميع إن أحداً لا يمون عليه».
وتؤكد المصادر نفسها، قبل المعلومات الأخيرة بشأن الاتفاق المذكور آنفاً، أن «المشكلة الأساس عند حزب الدعوة والتيار الصدري. لو قبل الأول بترشيح شخصية أخرى غير المالكي لرئاسة الحكومة لحل الأمر. كذلك، لو قبل التيار الصدري بالمالكي ولو بشروط لانتهت المشكلة. لكن لا ثقة بين الطرفين. مقتدى يكرر القول: حتى لو قبل المالكي بشروطي، من يضمن لي أنه سينفذها». وتضيف إن «المجلس الأعلى أبلغ المرجعية أخيراً بأنه سينتقل إلى صفوف المعارضة ولن يشارك في الحكم إذا عاد المالكي إلى رئاسة الحكومة إلا إذا أعلنت رغبتها في عودة المالكي بالاسم. كذلك فعل الصدر، الذي أعرب للمراجع عن استعداده للتعاون مع المالكي إذا وجهوا إليه كتاباً خطياً بذلك. يريدون تحميل المرجعية مسؤولية كل هفوة يمكن أن يقدم عليها المالكي تحت عنوان أنها هي من أتت به مجدداً».

مناورة قاصمة

مصادر ضليعة في المفاوضات تكشف عن أنه قبل ذلك بنحو أسبوع كان «اتفاق قد تم على أن يجتمع التحالف الوطني بركنيه، الائتلاف الوطني ودولة القانون، من أجل انتخاب مرشحين اثنين لرئاسة الحكومة في لجنة الـ14. كان الرهان على أن يترشح المالكي وإبراهيم الجعفري وعادل عبد المهدي. التوقعات كانت في أن يحصل المالكي على 7 أصوات (ممثلي دولة القانون باللجنة) والجعفري على 4 أو 5 أصوات (4 التيار الصدري) وعبد المهدي على 2 أو 3 (2 أصوات المجلس الأعلى والصوت الباقي لحزب الفضيلة). عندها يخرج عبد المهدي من السباق ويكون المرشحان من حزب الدعوة». وتضيف إن «الجعفري قبل بالصيغة، لكنه اعترض على عدم تمثيله في لجنة الـ14، فخيضت مفاوضات لزيادة عدد لجنة الـ14 إلى 18 عضواً»، بينهم 9 للائتلاف الوطني (5 تيار صدري يشملون الجعفري و3 مجلس أعلى وواحد فضيلة).
وتقول هذه المصادر إن «هذا التأخير الذي سبّبه الجعفري استغله المجلس الأعلى في مناورة محنكة أجهضت المشروع كله». وتوضح أن «اجتماعاً كان مقرراً للجنة الـ18 في المساء لانتخاب مرشحين لرئاسة الوزراء. عصر اليوم نفسه، ذهب وفد من المجلس الأعلى إلى التيار الصدري وأبلغه بما يأتي: إذا تعهدتم لنا بمنع المالكي من بلوع رئاسة الحكومة، فنحن مستعدون لسحب عبد المهدي من السباق، والسير خلف أي مرشح تختارونه شرط ألا يكون من حزب الدعوة. اطرحوا الدكتور قصي عبد الوهاب وسنوافق عليه. كان الجواب: السيد مقتدى حاسم في ألا يخرج من التيار رئيس للوزراء في ظل الاحتلال. فقالوا لهم: سمّوا مرشحاً مستقلاً وسنؤيده». وتتابع المصادر نفسها إن «خطوة المجلس هذه دفعت بالتيار الصدري إلى العودة للتشدد في رفض المالكي تحت عنوان: ماذا يجبرنا على خوض هذه التجربة (انتخاب مرشح ضمن التحالف الوطني) ما دام المجلس الأعلى معنا ويعطينا كل شيء، فما عاد اجتماع المساء ضرورياً». وتضيف «عندها، غضبت دولة القانون معتبرة أن التيار الصدري ضحك عليها»، مشيرة إلى أنه «في اليوم التالي، عقد الاجتماع بين التيار الصدري والمجلس الأعلى وفيه جرى الاتفاق على توجيه رسالة علنية إلى المالكي تعلن رفض الأطراف الخمسة في الائتلاف الموحد ترشيحه لرئاسة الحكومة».


«ملأوا قلبي قيحاً»

بارقة أمل تأتي بعدما تسلل اليأس والاستياء إلى نفوس المعنيين بملف مفاوضات تأليف الحكومة العراقية، وعلى وجه الخصوص الوسطاء منهم، وفي مقدمهم الجهات الإقليمية التي بذلت جهوداً جبارة من أجل التوصل إلى تسوية تنهي هذا المأزق الدستوري، من دون أي نتيجة تذكر. بلغت الأمور بأحدهم للشكوى قائلاً: «ملأوا قلبي قيحاً».
كان الاعتقاد يوم الأربعاء أن الأمور عادت إلى المربع الأول، إلى الوضع الذي كانت عليه مع إعلان نتائج قبل نحو أربعة أشهر، بعدما سقطت جميع الترتيبات الجانبية التي أبرمت منذ ذلك الحين حتى اليوم. وقتها، بدا كأن الأوراق قد أعيد خلطها، واستعاد جميع المرشحين لرئاسة الحكومة، حتى الذين سلموا بخسارتهم للمعركة، الأمل مجدداً، وفي مقدمهم إياد علاوي. في المقابل، كان سعاة الخير يشكون غياب معيار المصلحة الوطنية لدى الأطراف العراقية، بغض النظر عن تعريفها أو رؤية المعنيين لها: كل متمسك بطرحه الذي يرفض التزحزح عنه. الأولوية تبدو لحلقات الانتماء الأضيق. للطائفة على حساب الوطن. وللحزب على حساب الطائفة. وللشخص على حساب الحزب وهكذا...