غموض يثير الشكوك والتساؤلاتإيلي شلهوب
تسارعت التطورات العراقية يوم أمس. غير أن مركزها كان هذه المرة دمشق، التي شهدت سلسلة من الاجتماعات، أطرافها كل من الرئيس بشار الأسد وزعيم «العراقية» إياد علاوي والسيد مقتدى الصدر ووزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو الذي حطّ على نحو مفاجئ في عاصمة الأمويين.
وكأن الخيوط كلها تجمعت في أيدي الأسد، بعد إخفاقات بغداد، وتصدّع توافقات طهران. حركة لقاءات استضافتها العاصمة السورية، كان الغموض لا يزال يكتنف ثناياها حتى وقت متأخر من ليل أمس. بل أكثر من ذلك. لقاءات أثارت تساؤلات وتقديرات، لدى معظم الأطراف، أكثر مما قدمت من نتائج، هناك شبه اجماع على أنها معدومة، رغم تأكيد الصدر أن إرهاصاتها ستظهر على القائمة العراقية خلال الأيام المقبلة.
وقال الصدر للصحافيين عقب لقائه علاوي أمس، إن الأخير «قدم تنازلات في ما يخص تأليف حكومة عراقية جديدة، وأبدى مرونة حيال مصلحة العراق والشعب العراقي، من دون الاتفاق على أسماء لترؤس الحكومة العراقية»، مشيراً إلى أن «هذه التنازلات ستظهر بوضوح من خلال برامج العمل والخطط التي ستضعها القائمة خلال الأيام القليلة المقبلة».
وأضاف، رداً على سؤال عمّا اذا كان قد قَبِل التعامل مع بعثيي العراق، قائلاً إن «البعثيين والأميركيين والإرهابيين بالنسبة إلينا خط أحمر لا نتعامل معهم لأنهم أعداء الشعب العراقي».
ورداً على سؤال عما إذا كان قد استطاع شق الطريق أمام علاوي إلى طهران، قال الصدر، الذي التقى مساءً داوود أوغلو: «لم نستطع بعد فتح الطريق أمامه إلى إيران».
أما علاوي، الذي التقى الرئيس بشار الأسد ومن ثم داوود أوغلو، فقال إن «التيار الصدري لديه رغبة وإرادة في توحيد الصفوف وتأليف حكومة عراقية شاملة تضم كل الأطياف في أسرع وقت ممكن تنقل الشعب العراقي إلى الاستقرار».
وأضاف: «جرت اتفاقات في مساحات كثيرة ممّا بُحث، وأعتقد أن هذا كان من اللقاءات الإيجابية والموفقة التي ستصب في خدمة الشعب العراقي وفي وحدة العراق»، مضيفاً: «اتُّفق على الإسراع في تأليف الحكومة وعلى أن تكون جامعة لكل أطياف الشعب العراقي وأن تكون حكومة ذات برنامج واضح تقدم ما لديها وما عليها للشعب العراقي لإخراجه من الأزمة الحالية».
وفي السياق، أوضح القيادي في «العراقية» محمد علاّوي أن «اللقاء حضره من القائمة العراقية رافع العيساوي وأسامة النجيفي ومحمد علاوي بالإضافة إلى رئيس القائمة إياد علاوي، أما من جانب التيار الصدري فحضر السيد مصطفى اليعقوبي والشيخ وليد الكريماوي، بالإضافة إلى زعيم التيار مقتدى الصدر». وأضاف أن «الاجتماع كان مهماً جداً، وجرى خلاله التركيز على مسألة تفعيل اللجان المشتركة بين العراقية والتيار الصدري، لوضع برامج تأليف الحكومة المقبلة، ضمن إطار التحالف بين القائمة العراقية والائتلاف الوطني بجميع تشكيلاته، التي تضم الصدريين والمجلس الأعلى والمكونات الأخرى».
مصادر قيادية في دولة القانون تقول إن التأكيدات التي حصلت عليها حتى مساء أمس تفيد بأنه لا شيء جديداً في لقاءات دمشق، مشيرة إلى أن «ظاهر الأمور هو محاولة من علاوي لاستغلال لقائه مع الصدر لانتزاع تنازلات من المالكي عندما يلتقيه».
وتضيف: «لدينا مجموعة من التساؤلات التي لا جواب عليها حتى اللحظة. يقولون إن الصدر من حيث المبدأ متجه نحو السعودية عبر سوريا لأداء العمرة. لماذا عبر سوريا. ألم يكن باستطاعته التوجه مباشرة من طهران إلى هناك؟ هل ما جرى مخطط له أم حدث على نحو عفوي؟ أن يأتي الصدر إلى دمشق ويلتقي الأسد هذا طبيعي. لكن مجيء علاوي ومن بعده داوود أوغلو. لا جواب على ذلك. لعلها محاولة من مقتدى للقول إنه غير خاضع لأحد وليس أداة بيد الإيرانيين، بل حر منفتح على الجميع وخياراته حرة. لكن عقلية كبيرة كهذه ليست من شيم مقتدى ولا جماعته. لم يعودونا على أشياء كبيرة كهذه».
وتضيف المصادر نفسها: «نستبعد أن يكون ما حصل مبادرة ذاتية من سوريا. إن كانت هذه الفرضية صحيحة فهذا يعني أن هناك أجندة سورية تخالف الأجندة الإيرانية. السوريون أكثر ذكاءً من أن يعرّضوا مصالحهم الاستراتيجية مع إيران، وهي بالنسبة إليهم قضية حياة أو موت، من أجل ذلك. فهم لا أطماع كبيرة لهم في العراق. مطالبهم معروفة، تشغيل خط أنابيب النفط والتجارة وما إلى ذلك. أقصى ما يمكن أن يفعلوه أن يساوموا في العراق ليقبضوا في لبنان، هذه قضية تفصيلية بالنسبة إليهم».
وتتابع: «إذا افترضنا حسن النية السورية، يمكن القول إن سوريا هي أكبر مستفيد من استقرار العراق، وهي ترى أن إبقاء القائمة العراقية خارج اللعبة يتهدد البرلمان بمعارضة قوية، مع ما يعنيه ذلك من تعطيل لمشاريع تنموية وما إلى ذلك. بهذا المعنى، يمكن أن يكون السوريون يضغطون باتجاه حكومة وحدة وطنية، نحن أول من يؤيدها، لأنه لا مصلحة لنا لنعطي أياً كان فرصة أن يشاكس لمجرد أنه بقي خارجاً».
وتضيف أن «هذا المسعى يلتقي مع مصالح تركيا التي يبدو أن همها الوحيد إضعاف الأكراد. يرون أن تحالف دولة القانون والتيار الصدري يبقي الأكراد قوة ثالثة كبيرة. وتحالف التيار الصدري مع العراقية يبقي الأكراد قوة ثالثة قوية. أما تحالف دولة القانون مع التيار الصدري مع العراقية فيعني أن يتحول الأكراد إلى كتلة برلمانية هامشية».

ليّ الذراع مرفوض

إن كان المطلوب إنجاز حكومة بأي صيغة فدمشق هي المكان المناسب. لا يمكن ولادة حكومة عراقية في طهران
مصادر عليمة بأمور النجف وشجونها، تؤكد أن «لقاءات دمشق لا تستطيع أن تغير شيئاً. علاوي لن يتنازل بسهولة عمّا يعدّه حقه في تأليف الحكومة. إن من أبرم الاتفاق في طهران (بين دولة القانون والتيار الصدري) يبدو أن حساباته كانت غير دقيقة. اعْتقَدَ أن اتفاقاً كهذا سيجبر العراقية على الإذعان. الأمور أكثر تعقيداً من ذلك. نسي أن هناك مشكلة إقليمية، وهناك السعودية ومصر وغيرهما ومئات ملايين الدولارات التي صرفت. المشكلة في أصل التعاطي، في أسلوب ليّ الذراع، وهذا لا ينفع. هناك صراع طويل عريض، وهناك 91 نائباً (لدى العراقية). وهناك الأكراد. من رعى اتفاق طهران اعتبر أن أمرهم محسوم، لكن هذا غير صحيح. (مسعود) البرزاني أقرب إلى علاوي، فيما (جلال) الطالباني أقرب إلى الإيرانيين. وهناك رأي المجلس الأعلى الذي يؤثر على الأكراد كثيراً نظراً للتحالف التاريخي بينهما. لا تجري الأمور بهذه الطريقة».
وتابعت المصادر، في توضيح لما نشرته «الأخبار» أول من أمس، مشيرة إلى أن «الصدر لم يستقبل الوفد المفاوض عن دولة القانون، هو بالكاد يستقبل المالكي. ما جرى أن وفدي التفاوض توصلا إلى اتفاق، أتى به المفاوضون الصدريون إلى مقتدى وأطلعوه عليه».

ضغوط لغايات شخصية

مصادر قيادية في المجلس الأعلى ترى ما جرى في دمشق مجرد «مكان للقاء الصدر وعلاوي. لقاء كهذا لا يمكن أن يُعقد في طهران». تضيف: «إن كان المطلوب إنجاز حكومة بأي صيغة، فدمشق هي المكان المناسب إرضاءً للسُّنة والعرب. لا يمكن ولادة حكومة عراقية في طهران. وهناك سبب ثالث، هو أن العراقيين يبدو أنهم باتوا غير قادرين على إكمال المسيرة التفاوضية في طهران، فانتقلوا إلى دمشق. لكن في الحقيقة نعتقد أن ما يجري في دمشق شغل سياسة وليس تأليف حكومة».
مصادر المجلس لا تزال تنفي أن يكون حصل اتفاق في الأصل بين دولة القانون والتيار الصدري. تقول: «جرى التوصل إلى بوادر اتفاق، لكنه لم يوقع. المالكي من مصلحته اتفاق كهذا، لكنه عاجز عن تطبيقه. عُقد اجتماع بين الطرفين. كان اجتماعاً من أجل الاجتماع. لم يستقبلهم مقتدى. حصل الاجتماع بضغط من جهة إيرانية فعلت ذلك لغايات شخصية، فشلت في إدارة ملف المفاوضات الحكومية وهي تريد نجاحاً بأي ثمن لإثبات العكس. رأت أن أسهل طريقة هي تثبيت وضع المالكي». وتختم هذه المصادر حديثها بالتشديد على أن «المجلس لن يقبل الجلوس في حكومة يرأسها المالكي. خذها قاعدةً مبدئية لا تكتيكاً سياسياً. وكأن حزب الله يقول إنه لن يجلس في حكومة يقودها سمير جعجع».

ابحث عن الأكراد

مصادر وثيقة الصلة بدوائر صنع القرار في طهران تؤكد أن «الإيرانيين لا يريدون حلّاً إيرانياً صرفاً في العراق. مشاركة سورية ضرورية ومطلوبة ومكملة للدور الإيراني. بالحد الأدنى يغطي عيوبه. فلتتغربل الأمور في دمشق، ومهما كانت النتيجة فهي ستؤول في النهاية إلى طهران التي تدرك أن رئاسة الحكومة العراقية ستبقى حصتها، بغض النظر عن الاسم الذي سيتولاها. أي اتفاق يحفظ للسُّنة دورهم ويبقي دور إيران خفياً ستؤيده هذه الأخيرة فوراً».
أما بالنسبة إلى الدور التركي، فتضيف المصادر نفسها، أنه «يستهدف إحياء دور أنقرة الذي تراجع فلسطينياً وإرباك الأميركي ونزع قميص عثمان من يديه، أي الغطاء السعودي المصري الذي كانت واشنطن تتلطى به في بلاد الرافدين. المقصود أنه بدلاً من أن يواجه الثلاثي الإيراني التركي السوري الولايات المتحدة في فلسطين، نقلوا هذه المعركة إلى العراق».
في هذا الإطار، يبرز «الموضوع الكردي»، الذي تؤكد المصادر أنه «جزء من المشكلة وفي الوقت نفسه جزء من الحل. صحيح أن هناك إجماعاً على جلال الطالباني رئيساً، لكن المشكلة في التفاصيل وتوزيع الامتيازات والأسماء المطروحة للمناصب الأخرى. هناك تنسيق ثلاثي إيراني تركي سوري منذ أيام صدام (حسين) حول الأكراد. كانوا يجتمعون كل فترة في إحدى العواصم الثلاث. تنسيق كهذا تعاني منه أنقرة اليوم، كذلك الأمر بالنسبة إلى طهران، لكن بدرجة أقل، وهو في دمشق خلية نائمة».
وتوضح المصادر نفسها أن «إسرائيل تحارب (رئيس وزراء تركيا رجب طيب) أردوغان بدعم أميركي من خلال الأكراد. تريد منع تركيا من أداء دور إقليمي وضرب تفاهمها مع سوريا وإيران في الملف الفلسطيني.
رد أنقرة لا بد أن يكون في الخارج. رأته بداية في فلسطين فلبنان والعراق، بحسب هذا الترتيب. لكن الموضوع العراقي يحتل الآن الحيز الأوسع؛ لأن الجرح الكردي صار عميقاً. الأميركي يضغط على أردوغان بحزب العمال الكردستاني. إذاً، الرد يجب أن يكون في الملف العراقي».
وتتابع المصادر أن «التركي لعب لعبة ذكية. دخل العراق عبر سوريا، وبالتحديد من طريق علاوي، وعبر السعودية من خلال الجبهة السُّنية ككل. كان هم الأتراك، ولا يزال، إضعاف دولة كردستان التي تدعم ما تراه أنقرة إرهاباً كردياً بدعم إسرائيلي أميركي. لهذه الغاية عملت تركيا على تركيب القائمة العراقية التي اكتسحت نصف كركوك، ومن ضمنها لائحتا الحدباء ونينوى اللتان اكتسحتا الموصل. يعرف الأكراد أهمية هاتين المدينتين بالنسبة إلى أنقرة ويعرفون أن ما فعلته كان بالتنسيق مع دمشق وطهران».
ولمّحت المصادر عينها إلى أنه «لا حل قريباً ما لم يتدخل (المرجع علي) السيستاني تحت عنوان الحفاظ على الكيان والطائفة. وقد يكون هذا الحل في دوحة عراقية (على الطريقة اللبنانية) لكن في دمشق قد يكون ما يجري حالياً مقدمة له».
أوساط المالكي تعرب عن اعتقادها بأن الإيرانيين «لا يريدون حكومة. جل همهم ابتزاز الأميركي لينتزعوا منه تنازلات. يعلمون أن الأميركي يستعجل الانسحاب الذي لا يمكنه إجراؤه في ظل غياب حكومة في بغداد. لكنهم في الوقت نفسه لا يريدون انفلات الأمور خشية أن يفقدوا قدرة السيطرة عليها ويخسروا كل شيء».


الأسد وداوود أوغلو مع توحيد العراقيين

بحث الرئيس السوري بشار الاسد أمس مع وزير الخارجية التركي أحمد دواوو أوغلو العلاقات الثنائية بين سوريا وتركيا. وذكر بيان رئاسي سوري أنه شُدِّد خلال اللقاء على «أهمية أن تأتي الحلول لمشكلات المنطقة من دولها لا من الخارج». وفي ما يتعلق بالأوضاع في العراق، قال البيان إن وجهات النظر كانت «متفقة على ضرورة بذل الجهود من للإسراع بتأليف حكومة عراقية تعمل على توحيد العراقيين لإحلال الأمن والاستقرار في العراق».
كذلك بُحثت الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وعملية السلام المتوقفة. وأكد الجانبان «ضرورة إجراء تحقيق دولي مستقل في الجريمة على متن أسطول الحرية». وشددا على «ضرورة تكثيف الجهود لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة».
(يو بي آي)