تونس | بعدما كان الجميع في تونس يترقب تاريخ 12 أيلول/ سبتمبر الجاري، أي التاريخ الذي حددته المعارضة للخروج إلى الشارع الرئيسي في العاصمة (شارع الحبيب بورقيبة) للتظاهر ضد مبادرة المصالحة الاقتصادية التي طرحتها رئاسة الجمهورية في منتصف تموز/ جويلية الماضي وللدفاع عن الحق الدستوري في الاحتجاج بعد ظهور ما اعتبرته بوادر للتضييق على الحريات منذ اعلان حالة الطوارئ ومنع التظاهرات، يبدو أنّ رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، قد وضع حداً للأزمة من خلال الخضوع، غير المعلن، لمطلب المعارضة وإعطائها ضوءا أخضر لاستعمال سلاح الشارع بعد امتناع وزارة الداخلية عن ذلك.
هذه المعارضة وإن لم تتفق ككتلة واحدة على توقيت محدد للخروج إلى الشارع، التقت حول التشبث بالتظاهر بعد غد السبت برغم إعلان سابق لوزير الداخلية، ناجم الغرسلي، قال فيه إن الوزارة رفضت الترخيص لهذه التظاهرات وستطبق قانون حالة الطوارئ الذي يمنع التجمهر، مشدداً على أنّ تطبيق القانون ليس الغاية منه قمع الحريات والعودة للاستبداد.
ما نفاه وزير الداخلية التونسي في إعلانه هو في حقيقة الأمر اتهامات وُجهت له وللحكومة ولحركة «نداء تونس»، حزب الرئيس الباجي قائد السبسي، إثر اعتداء القوات الأمنية على عدد من الوقفات الاحتجاجية وتفريقها بالقوة رغم طابعها السلمي. وتمت الاعتداءات تحت مبرر تصنيفها من قبل الحكومة كعامل مشتت للجهود في مكافحة الإرهاب، ولأنها تفتح ثغرات أمنية في ظل وجود معلومات عن مخطط لاستهداف منشآت في العاصمة عبر تفجير سيارات خلال الفترة الممتدة بين 11 و14 أيلول الجاري.


تهديدات إرهابية

أيضاً، قالت رئاسة الحكومة التونسية، في بيان أمس، إنه «بناء على معلومات ومعطيات استخباراتية مؤكدة فإنّ بلادنا تواجه في هذه الفترة بالذّات تهديدات إرهابية جديّة لضرب مؤسسات ومنشآت حيويّة وبث الفوضى وهو ما تطلّب اتخاذ التدابير الضرورية للتوقّي من هذه التهديدات وتأمين الإحتياطات والجاهزية التامّة لإفشالها والتصدّي لها عند الإقتضاء بالفاعلية القصوى».
وأكدت في البيان نفسه أن عدم منح رخص لتنظيم تظاهرات ومسيرات في هذه الأيام بالذات وطلب تأخيرها إلى ما بعد هذه الفترة الحسّاسة يندرج في هذا الإطار، لكن البيان لم يتعرض للاعتداءات ولتفريق عدد من الاحتجاجات بالقوة، ما أثار سخطاً لدى الأوساط الحقوقية والسياسية، وخصوصاً أنه يأتي بعد أيام من إغلاق شارع الحبيب بورقيبة وتشديد الحضور الأمني فيه.

اعتداءات على المحتجين

في حديث لـ «الأخبار»، قال الأمين العام لـ«حركة الشعب»، زهير المغزاوي، وهو عضو تنسيقية المعارضة التي دعت إلى التظاهر يوم السبت، «تشبثنا في حقنا الدستوري في الاحتجاج السلمي ورغم رفض الداخلية إعطائنا الترخيص، إلا أننا قررنا الخروج للتظاهر». وكشف أنه بعد اللقاء مع رئيس الحكومة، «وافق على خروجنا إلى شارع الحبيب بورقيبة وتعهد توفير الحماية الامنية وقد ابرزنا معارضتنا للاعتداءات الاخيرة على المحتجين».
تلك الاعتداءات التي طاولت عدداً من الاحتجاجات، شنّجت الأوضاع وأثرت على الجلسة البرلمانية العامة كما ظهر من الفوضى العارمة التي شهدتها والتراشق بالتهم بين نواب المعارضة ونواب «نداء تونس»، الأمر الذي أجبر رئيس مجلس النواب، محمد الناصر، وهو رئيس «نداء تونس» أيضاً، على الموافقة على طلب دعوة وزير الداخلية إلى البرلمان.
المنظمة الحقوقية الدولية «هيومن رايتس ووتش» قالت إن الشرطة التونسية استخدمت القوّة غير المشروعة لتفريق احتجاجات كانت سلميّة في ثلاث مدن على الأقل، منذ الأول من الشهر الجاري، وقد نُظمت الاحتجاجات ضدّ مشروع قانون المصالحة.
وأكدت المنظمة الحقوقية، في بيان، أن هذا الحظر سيكون الأول من نوعه منذ ثورة 2011 التي أطاحت الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، وسيكون انتكاسة خطيرة لحقوق الإنسان في تونس.