يختلف سقوط مطار أبو الظهور العسكري عن سقوط ما سبقه من المطارات العسكرية بفعل عوامل كثيرة. فعلاوة على ما يعنيه خروج مطار هو الأكبر في شمال البلاد من الخدمة، وعلى ما يُشكله سقوط مطار عسكري في موازين الحرب المعنوية، يبرز العامل الاستراتيجي بوصفه الأخطر على الإطلاق.
ورغم أنّ الأثر الذي أحدثه سقوط المطار ما زال مقتصراً حتى الآن على الصدمة النفسيّة في صفوف المعسكر المؤيّد للدولة السورية، غيرَ أن تبعات السقوط قد تكتسب أبعاداً أخطرَ ما لم ينجح الجيش السوري في احتواء الانتكاسة وسد الثُّغَر الناجمة عنها. وحتى فترة قريبة كان المطار (الممتد على على مساحة تتجاوز 15 كيلو متراً مربعاً) يلعب بالنسبة إلى الجيش السوري دوراً شبيهاً بالدور الذي لعبه معسكرا الحامدية ووادي الضيف الشهيران (ريف إدلب الجنوبي) قبل سقوطهما أواخر العام الماضي. وإذا كان سقوط المعسكرين قد فتح الباب أمام تهاوٍ متتالٍ لمواقع سيطرة الجيش السوري في محافظة إدلب، وأتاح لـ«جبهة النصرة» وحلفائها (الذين انتظموا لاحقاً في «جيش الفتح») تغيير قواعد اللعبة في إدلب وإحراز تبدّل نوعي في طبيعة المعارك المفتوحة في سهل الغاب، فإنّ الخطوة التالية الوشيكة تتمثل في سعي «جيش الفتح» إلى استغلال سقوط أبو الظهور لقلب المعادلة في ما يخص عاصمة الشمال السوري حلب. وتشير معلومات حصلت عليها «الأخبار» إلى أنّ مخطط «فتح حلب» الشهير، الذي سبق أن مُني بالفشل، أعيدَ وضعه على الطاولة في غرف العمليات التركيّة قبل نحو أسبوعين. ويأتي سقوط أبو الظهور ليمنح المخطط المذكور مساحة لعب استراتيجية إضافيّة عبر محور أبو الظهور ــ خناصر (الريف الجنوبي لحلب حيث تمر الطريق الوحيدة التي تربط حلب بدمشق). وتُشكل مسافة الـ30 كيلومتراً التي قطعها الجنود السوريون المنسحبون من المطار مساراً وشيكاً لعمليات «النصرة» وحلفائها، على طريق محاولات عزل حلب عن شريانها الوحيد المتمثل في طريق خناصر ــ السفيرة. ورغم أن قطع المسافة المذكورة لا يُعتبر نزهةً سهلة بالنسبة إلى مسلّحي «النصرة» وحلفائها، غير أن الشهور الأخيرة أثبتت أن في وسع هؤلاء العمل وفق استراتيجية شبيهة باستراتيجية «القضم» التي طالما اعتمد عليها الجيش السوري سابقاً. ومن المفيد في هذا السياق التذكير بأنّ خارطة السيطرة العسكرية في إدلب (وحلب بشكل أقل) قد تبدّلت بشكل جذري في الشهور الأخيرة لمصلحة المجموعات المسلّحة، ووفق «قضمات» متتالية. ويُعتبر مخطط «فتح حلب» الجديد إحياءً لمخطط كان من المفترض تنفيذه في حزيران الماضي (الأخبار ــ العدد 2613 http://www.al-akhbar.com/node/235369)، مع تعديل أساسي يأخذ في الحسبان العمل على خنق المدينة التي يتقاسم طرفا الصراع السيطرة عليها عبر محورين: أوّلهما انطلاقاً من المدينة إلى خارجها (أي إغلاق منطقة الراموسة، نقطة التماس المباشر بين الطريق ومدينة حلب)، وثانيهما عند نقطة خناصر. ورغم أن الساعة الصفر المضروبة تركيّاً للعملية المذكورة كانت قد حُدّدت وفق معلومات «الأخبار»في النصف الأول من الشهر المقبل، بحيث تُستبق الانتخابات التركيّة بتحقيق انتصار كبير في حلب يُحسب لحزب العدالة والتنمية بطبيعة الحال، غير أن سقوط أبو الظهور في وقت أبكر من توقعات مخططي المعركة قد يدفع إلى تعجيل الساعة الصفر. وتبدو أوساط «جبهة النصرة» متفائلةً بتحقيق معركة «فتح حلب» الموعودة نجاحاً سريعاً، بالإفادة من إعادة الانتشار التي نفّذتها «النصرة» مطلع الشهر الماضي (الأخبار ــ 2658 http://www.al-akhbar.com/node/239361). ووفقاً لتسريبات «جهاديّة»، فإنّ «التمركزات الجديدة لمجاهدي النصرة في أحياء حلب الشرقية تتيح لهم العمل بفاعلية أكبر في معارك إشغالٍ»، تلحظ خطة «فتح حلب» فتحها عبر «جميع نقاط التماس المُتاحة داخل المدينة وفي محيطها». وتلعب سيطرة «النصرة» على مساحات واسعة من ريف حلب الغربي دوراً إضافيّاً في تعزيز أسهم المهاجمين حال فتح المعركة الكبرى، بحيث تلعب هذه المناطق دوراً فاعلاً في تدفق تعزيزات «الحلفاء الجهاديين» من إدلب المتاخمة، وعلى رأسهم «جهاديو الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام». وخلافاً لما كانت عليه الحال في مخطط «فتح حلب» السابق، فإن المخطط المعدّل لا يُقيم وزناً لضرورة «إبعاد الجهاديين عن واجهة المشهد». وهو أمر يَسهل تفسيره بحرص أنقرة على إسقاط حلب، التي تبدو في حسابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «درّة تاج السلطنة»، وأيّاً كانت أدوات الإسقاط. وتجدر الإشارة إلى أنّ أي تقدّم جديد تحقّقه «جبهة النصرة» بدعم تركي يلعب دوراً في تنقية الأجواء بين الجبهة وأنقرة، ويؤجّل الانفجار الكبير الذي بدأت نُذره في الطفو على السطح أخيراً، بعد أن أسهمت المخططات التركيّة لهندسة «المنطقة الآمنة» في توتير العلاقة بين الطرفين في ظل مخاوف «النصرة» من انقلاب تركي عليها. وهو انقلاب يبدو حدوثه أمراً واقعاً، لكنّه مؤجل لاعتبارات تركيّة تمنح الأولوية لمحاربة حزب العمال الكردستاني حاليّاً. وهو أمر لا تبدو جبهة النصرة غافلةً عنه، لكنها في الوقت ذاته لا تجد مصلحةً في تسريع حدوثه، بل تسعى إلى تأجيله ما أمكن، بغية تحقيق أكبر قدر من المكاسب المحتملة على الأرض.