الجزائر | يثير اعتقال القائد السابق لمديرية مكافحة الإرهاب في المخابرات الجزائرية، اللواء المتقاعد عبد القادر آيت واعراب (المعروف باسم الجنرال حسان)، جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والقانونية بالجزائر، نظراً إلى ثقل هذه الشخصية التي كان لها نفوذ كبير أيام اشتداد الأزمة الأمنية في البلاد. وبرغم خطورة التهم الموجهة إليه، يظل الجنرال المتقاعد في الحبس المؤقت بالسجن العسكري دون أن يتمكن محاميه من الاطلاع على ملفه.
وأكدت مصادر مطلعة على تفاصيل اعتقال اللواء المتقاعد، لـ«الأخبار»، أنه سيظل عالقاً في السجن العسكري بالبليدة (40 كلم غربي الجزائر العاصمة)، إلى غاية يوم 14 أيلول/ سبتمبر الجاري، وهو تاريخ التحاق رئيس المحكمة العسكرية بعمله بعد انقضاء عطلته، باعتباره الوحيد المخوّل بقبول تأسيس ملف الجنرال المتهم. وتشير المصادر إلى أن سبب عدم تمكين الجنرال حسان من محام إلى غاية اليوم، يرتبط بوجود ثغرة قانونية في قانون القضاء العسكري الذي لم يعدّل منذ سبعينيات القرن الماضي، إذ تجعل المادة 18 من هذا القانون تأسيس أي محام لمتهم بجناية أمام محكمة عسكرية مرتبطاً حصرياً بقبول رئيس المحكمة العسكرية الذي لا يمكن أحداً تعويضه في ذلك.

الرئاسة خلف الاعتقال؟

وأثار نبأ الاعتقال (المتداول منذ أكثر من عشرة أيام) التساؤل عن هوية المسؤول الذي أمر بحبس الجنرال حسان. وذهب الصحافي المتخصص في شؤون القضايا الأمنية، حميد غمراسة، إلى القول إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، يقف بنفسه خلف إلقاء القبض على الجنرال. واستند غمراسة في قراءته إلى نص المادة 68 من قانون القضاء العسكري، التي تنص على أن وزير الدفاع (بوتفليقة في هذه الحالة) هو الجهة الوحيدة التي يمكنها تحريك الدعوى العمومية ضد ضابط برتبة نقيب وما فوق.
وأوضح غمراسة، في حديث لـ«الأخبار»، أنه «لا يمكن الجزم في الوقت الراهن بالأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس بوتفليقة إلى اتخاذ هذا القرار، ومن السابق لأوانه القول إن ما جرى للجنرال حسان يدخل في إطار صراع الرئاسة والمخابرات الذي يتداول على نطاق واسع بالجزائر هذه الأيام بعد التغييرات الكثيرة التي أجراها الرئيس في المؤسسة الأمنية».

تصفية حسابات

في غضون ذلك، فإنّ عبد المجيد سليني، وهو محامي الجنرال حسان وقد ظهر في وسائل الإعلام الجزائرية، مستاء من عدم السماح له بالإطلاع على الملف، ذكر في تصريحات صحافية أن موكله ذهب ضحية تصفية حسابات في السلطة، ودافع بشدة عن براءته من كل التهم المنسوبة إليه، ووصف وجوده في السجن بـ«الحبس التعسفي».
وقال المحامي، وهو نقيب المحامين في العاصمة، إنه «لا يعلم إلى غاية الآن الأسباب التي أدت إلى توقيف الجنرال حسان واعتقاله، ما دام لا توجد أية دعوى قضائية ضده من قبل مديرية الاستخبارات والأمن التي كان يعمل فيها، ولا من وزارة الدفاع أو من جهة أخرى، وهما المؤسستان اللتان تملكان الحق في إصدار مذكرة توقيف ضد عسكري يتمتع برتبة عالية».
وأضاف المحامي، في تصريح لجريدة «الوطن» الناطقة بالفرنسية، أن «توقيف الجنرال حسان يدخل في إطار تصفية حسابات بين الرئاسة الجزائرية ومديرية الاستخبارات والأمن»، معتبراً أن «الهدف من هذا الاعتقال هو زعزعة توفيق مدين، الذي كان معارضاً لعهدة رئاسية رابعة للرئيس بوتفليقة».
تهم ثقيلة

وبحسب تسريبات، يواجه الجنرال حسان تهماً ثقيلة جداً، قد تكلفه عقوبة الإعدام في حال إثباتها، وعلى رأس هذه التهم تشكيل «عصابة أشرار مسلحة» والتصريح الكاذب بخصوص مخزون السلاح الذي بحوزته. والجنرال حسان ملاحق أيضاً في قضية تخص قضية الهجوم الإرهابي على مصنع الغاز بتيڤنتورين، في كانون الثاني/ جانفي 2013.
ويبقى أنّ ما تسرب من هذه التهم يفتقر إلى التأكيد الرسمي، إذ لم تبادر أي جهة في الدولة إلى التعليق على قضية الاعتقال، بينما يؤكد محاميه أن التهم المنسوبة إليه لا أساس لها من الصحة، ويوضح أن تشكيل جماعة مسلحة تابعة له كان بغرض اختراق جماعات إرهابية، الأمر الذي يقع في صلب عمله، وقد أبلغ به مسؤوليه المباشرين.
ويعدّ الجنرال حسان واحداً من أكبر القادة الأمنيين في الجزائر، والذراع اليمنى لقائد جهاز الأمن والاستعلام الفريق محمد مدين (توفيق)، وتميز طوال فترة عمله بالحزم والشدة في التصدي للجماعات الإرهابية، ما جعل اسمه مثار هيبة للجزائريين. لكن الرجل قد لاحقته أخيراً اتهامات خطيرة.

استمرار «التغييرات»

بعيداً عن قضية الجنرال حسان، لا تزال التغييرات في المؤسسات الأمنية (التي يقوم بها الرئيس بوتفليقة) مستمرة، إذ أحيل أمس، الفريق أحمد بوسطيلة، قائد الدرك الوطني، على التقاعد، وعيّن مكانه اللواء نوبة مناد، الذي كان يشغل منصب قائد أركان قيادة سلاح الدرك الوطني. ولم تتأكد صحة خبر تعيين الفريق بوسطيلة مستشاراً برئاسة الجمهورية.
وكان الرئيس بوتفليقة، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع، قد وقع في 5 تموز/ جويلية الماضي مرسوم ترقية كل من اللواء بوسطيلة واللواء بن علي، إلى رتبة فريق. ويقول مقربون من الرئيس إن هذه التغييرات تندرج في سياق إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية في الجزائر، إلا أن آخرين يربطونها بصراع محتمل بين مؤسستي الرئاسة والمخابرات لامتلاك قرار صناعة خليفة الرئيس بوتفليقة.