أرنست خوري قرّر حكام تركيا الاستفادة من كل الأدوات المتاحة أمامهم لتقوية موقفهم في حربهم الدبلوماسية مع إسرائيل. حتّى كبريات مشكلاتهم الداخلية، المتجسّدة بحزب العمّال الكردستاني، يمكن أن تكون ورقة ضغط وإدانة ضد الدولة العبرية، من خلال إعادة فتح الملف القديم عن الاتهام التركي بارتباط هذا الحزب مع إسرائيل بعلاقات وثيقة، تُوِّجَت، بحسب الشكوك التركية الرسمية، بالعملية الأخيرة ضد قاعدة بحرية أودت بحياة 7 جنود أتراك في منطقة الاسكندرون، وذلك قبل نحو 3 ساعات على مجزرة «أسطول الحرية»، فجر الاثنين الماضي.
ربْطٌ يهدف من حيث المبدأ، إلى وضع المزيد من الضغوط على إسرائيل، تحت عنوان أنّ تل أبيب تدعم «منظمة إرهابية»، وفق التصنيفات التركية والأميركية، وذلك رغم الإقرار الرسمي والإعلامي بأنه لا صلة بين الحدثين باستثناء التوقيت والربط السياسي التحليلي.
ويحاجج دعاة هذا الربط بحقيقة تنفيذ عملية الاسكندرون قبل 3 ساعات فقط من هجوم الكوماندوس الإسرائيلي، مفترضين أن عملية كهذه ليست سوى رسالة من إسرائيل لتركيا تفيد بـ«أننا نستطيع ضربكم من الداخل»، على حدّ تعبير مصادر صحيفة «توداي زمان». فـ«كلّما حلّقت تركيا عالياً في سياستها الخارجية، هناك أطراف داخلية تأتمر بجهات أجنبية تعمل على ضربها من الداخل»، على حدّ تعابير حزب المعارضة، «الشعب الجمهوري» لصحيفة «حرييت».
ولا يزال الجناح التركي من حزب عبد الله أوجلان، ينفي تهمة الارتباط بإسرائيل، وإن كان فصيله الإيراني (حزب الحياة الحرة لكردستان، أو «بيجاك») لم ينف ما سبق أن نشره سيمور هيرش في تحقيقه الشهير في عام 2006 عن علاقاته بالدولة العبرية وبالإدارة الأميركية.
يوم أمس، نشرت صحيفة «توداي زمان»، المقرّبة من الحكومة التركية، تقريراً يفيد بأنّ الاستخبارات التركية تبحث عن أدلة تربط هجومي الاثنين الماضي. واستعان التقرير بشهادات لأبرز الصحافيين العاملين على هذا الملف، يتقدمهم سِدات لاسينر، تعيد التذكير باتهامات التدريب والتمويل والتسليح الإسرائيليّة للمقاتلين الأكراد في شمال العراق، على أيدي ضباط في «الموساد» خصوصاً، وذلك منذ عقود طويلة، وإن كانت قد ارتفعت وتيرتها منذ 2002، «لضرب وإسقاط حكم العدالة والتنمية الذي تريد إسرائيل أن تصوّره على أنه أشبه بحركة حماس».
وما من دليل أوضح على أنّ الاتهامات التركية بـ«عمالة» حزب أوجلان لإسرائيل، قديمة، أكثر من الشكوى الرسمية التي قدمتها أنقرة لدى واشنطن، قبيل اجتياح العراق عام 2003، بدعوى أنّ «الموساد» يقود معسكرات تدريب «العمال» في شمال العراق، استعداداً لسيطرة الأكراد على أوضاع بلاد الرافدين بعد احتلالها.
وهنا لا بدّ من التذكير بأنّ مجموعة كبيرة من الاتفاقات العسكرية الموقعة بين تل أبيب وأنقرة هدفت، من جهة مسؤولي دولة الاحتلال، إلى نفي التهمة عن أنفسهم، بما أنّ عدداً من العقود بين الجيشين تتمحور حول تسليم الدولة العبرية، تركيا، أسلحة خاصة برصد وضرب المقاتلين الأكراد في المناطق الحدودية مع العراق: الطائرات الإسرائيلية «هيرون» نموذجاً.

أسطول مساعدات إسرائيليّة للأرمن والأكراد ردّاً على «النفاق التركي»
وسيكون للأتراك حججهم الإضافية لتعزيز اتهاماتهم هذه، بعدما أعلنت مجموعة من الجامعيين الإسرائيليين عزمها على تسيير رحلة بحرية باتجاه السواحل التركية، محمَّلة بمساعدات إنسانية للأرمن والأكراد، ردّاً على «النفاق التركي». ووفق صحيفة «معاريف»، فإنّ منظّمي القافلة يبحثون عن قارب بحري مناسب للمهمة التي يأملون أن يكون موعد انطلاقها نهاية الأسبوع الجاري.
في المقابل، لا يسع المتابع سوى تلمس بعض السياقات التي تذهب بعكس ما فعلت التحليلات السابقة، منها أن عملية الاسكندرون لم تكن سوى حلقة من سلسلة هجمات كردية أودت بحياة 38 جندياً تركياً في الشهر الماضي فقط. وربما يكون توقيت العملية (بعد منتصف ليل الأحد ـــــ الاثنين) مرتبطاً بما سبق أن أعلنه أوجلان، عن أنه «بعد 31 أيار، سأوقف جميع مبادراتي السياسية لأنني لم أجد شريكاً في أنقرة»، تاركاً حرية العمل للقيادات الميدانية لحزبه. كما أنّه قد يكون مرتبطاً بالإعلان عن وقف إطلاق النار الذي أعلنه «الكردستاني» منذ نيسان من العام الماضي. وبالتالي، قد يحمل هذا التوقيت رسالة من «العمال» تفيد بأنهم عازمون على شنّ عمليات موجعة منذ اللحظات الأولى لما بعد انتهاء الهدنة. كذلك الوضع في ما يتعلق بالرسالة التي يحملها اختيار منطقة الاسكندرون (أول مرة تحصل فيها عملية للكردستاني)، ومفادها «أننا قادرون على الضرب في أي مكان وزمان».