أنقرة تتمسّك بالصفة الدوليّة وتهدّد إسرائيل بمراجعة العلاقات
مهدي السيّد
بعد أسبوعين من الأخذ والرد، وبعد حصولها على الضوء الأخضر الأميركي، صدّقت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع أمس على إنشاء «لجنة إسرائيلية لفحص أحداث أسطول الحرية»، ضاربة عرض الحائط بدعوة الأمم المتحدة لها لإنشاء لجنة تحقيق دولية، متسلحة بالموقف الأميركي المؤيد لها على خلفية المخرج الذي باركته واشنطن، والمتمثل في قبول إسرائيل للمرة الأولى في تاريخها بمشاركة أجنبية في لجنة تحقيق إسرائيلية. قبول جُرّد من قوة التأثير من خلال حرمان المندوبين الأجانب من حق التصويت.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد عقدت جلسة خاصة للتصديق على تأليف اللجنة، استهلها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالقول إن «مبدأين مركزيين يوجّهاننا في الاقتراح لتأليف اللجنة التي نطرحها اليوم. المبدأ الأول هو الحفاظ على حرية عمل جنود الجيش الإسرائيلي وصدقيّة جهاز التحقيقات العسكرية. والاعتبار المركزي الثاني الذي وجّهنا هو توفير رد صادق ومقنع للدول المسؤولة في المجتمع الدولي بشأن الأحداث وخصوصاً في سياق القانون الدولي».
وأضاف نتنياهو «إني مقتنع بأن كشف الحقائق بواسطة اللجنة سيثبت أن أهداف وأنشطة دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي كانت عمليات دفاعية جديرة، ووفقاً للمعايير الدولية العالية جداً».
وخلص نتنياهو إلى «أني أقدر أن قرار الحكومة اليوم بإنشاء اللجنة العامة المستقلة سيوضح للعالم أجمع بأن دولة إسرائيل تعمل بموجب القانون وبشفافية ومسؤولية كاملة».
وكان مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية قد استبق قرار الحكومة ببيان أصدره مساء أول من أمس بشأن أعضاء اللجنة التي وصفها بأنها «لجنة عامة ومستقلة للتدقيق في الجوانب المتعلقة بالعملية (العسكرية) التي نفذتها دولة إسرائيل من أجل منع وصول سفن إلى شاطئ غزة في يوم 31 أيار2010».
وقال بيان مكتب نتنياهو إن «اللجنة ستقدم استنتاجاتها عما إذا كانت العملية التي نفذتها دولة إسرائيل لمنع وصول السفن إلى شاطئ غزة وأهدافها، وكذلك مسائل أخرى متعلقة بذلك، كانت ملائمة لقواعد القانون الدولي».
وحدد البيان الجوانب التي سيتعين على اللجنة التدقيق فيها وهي «التدقيق في الظروف الأمنية التي دعت إلى فرض الحصار البحري على قطاع غزة ومدى ملاءمة الحصار البحري مع مبادئ القانون الدولي».
وتكلف الحكومة الإسرائيلية اللجنة بالتدقيق في النشاطات التي نفذها منظمو أسطول الحرية والمشاركون وهوياتهم، إضافة إلى ذلك ستدقق في جوانب متعلقة بالحرب على غزة مطلع العام الماضي وتقرير غولدستون «وفي ما إذا كان نظام التدقيق والتحقيق في شكاوى وادعاءات بشأن خرق قوانين الحرب المتبعة في إسرائيل عموماً».
وجاء في بيان مكتب نتنياهو إن بإمكان اللجنة أن تطلب من أي شخص الإدلاء بشهادة أمامها أو تسليمها معلومات بطريقة أخرى في المواضيع التي تعتقد اللجنة أنها ذات علاقة مع مداولاتها. وأضاف البيان «سيكون بإمكان اللجنة طلب معلومات من رئيس الوزراء ووزير الدفاع (إيهود باراك) ورئيس أركان الجيش (غابي أشكنازي) بما في ذلك من خلال الإدلاء بشهادة أمام اللجنة».
ولكن، بحسب «يديعوت أحرونوت»، لن تتمكن اللجنة من أن تستدعي إليها ضباطاً وجنوداً من الجيش الإسرائيلي، ومن يمثل الجيش أمامها (باستثناء رئيس الأركان) هو فقط رئيس فريق الفحص العسكري، اللواء احتياط غيورا إيلند. وستكون جلسات اللجنة علنية أو مغلقة بناءً على قراراتها. وفي ختام عملها سترفع الى رئيس الحكومة استنتاجاتها، وفور ذلك تنشرها على الجمهور. والتقرير الذي سيضعونه لن يتضمن استنتاجات شخصية».
وفي خصوص تركيبة اللجنة، فهي ستضم ثلاثة أعضاء إسرائيليين ومراقبين اثنين أجنبيين. وسيرأس اللجنة قاضي المحكمة العليا المتقاعد، يعقوب تيركل (75 سنة)، وإلى جانبه سيجلس البروفسور شبتاي روزين ( 93 سنة)، خبير في القانون الدولي، واللواء احتياط عاموس حورب، (86 سنة). كما ستضم اللجنة مراقبين أجانب: اللورد وليم دافيد ترمبل (65 سنة) من إيرلندا، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، ورجل القانون الدولي كين ويتكين، النائب العسكري العام السابق في كندا.
على صعيد ردود الفعل، رحبت واشنطن بالإعلان الإسرائيلي، ورأت أنه يمثّل «خطوة كبيرة الى الأمام». في المقابل، نقلت وكالة أنباء الأناضول عن وزير الخارجية التركي داوود أوغلو قوله، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره السنغالي ماديكي نيانغ في أنقرة، إن المشاركة الدولية في لجنة تنشئها إسرائيل لا تعدّ لجنة دولية.
وأضاف داوود أوغلو «إذا لم تنشأ لجنة دولية وجرى تجاهل مطالب تركيا المحقة، فسيكون لها حق مراجعة علاقاتها بإسرائيل». وقال إن «الجريمة ارتكبت في المياه الدولية، لا في مياه إسرائيل، ويفترض أن تكون اللجنة دولية وتحت مراقبة الأمم المتحدة وبمشاركة كل من تركيا وإسرائيل، ونحن نصرّ على هذه المسألة فقد فقدنا مواطنين في هذا الهجوم». وتابع «نعتقد أن إسرائيل، بصفتها دولة هاجمت موكباً مدنياً في المياه الإقليمية، لن تجري تحقيقاً محايداً».
فلسطينياً، أعلنت حركة «حماس» أن «رفض إسرائيل إنشاء لجنة دولية للتحقيق في مجزرة الحرية هو إدانة ذاتية لحكومة الاحتلال (...) وتهرب إسرائيلي مباشر وواضح من حالة الضغط الدولي الرسمي المطالب بتأليف لجنة دولية»، فيما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن اللجنة الإسرائيلية لا تلبي مطالب مجلس الأمن الدولي.
أوروبياً، دان الاتحاد الأوروبي استخدام العنف في الهجوم على أسطول الحرية، ودعا إلى إجراء تحقيق في الحادث بمشاركة دولية ذات صدقيّة.