مخاوف من كساد... والمستهلكون يمتنعون عن الشراء
غزة ــ قيس صفدي
يشهد السوق الغزّي المكدّس بكميات وأصناف كبيرة من البضائع المهرّبة عبر الأنفاق المنتشرة أسفل الحدود الفلسطينية ـــــ المصرية حالة ركود واضحة، عزّزها تصديق الحكومة الإسرائيلية المصغّرة للشؤون السياسية والأمنية على توسيع قائمة البضائع المسموح دخولها إلى غزة، في إطار إجراءات «تخفيف الحصار».
وانعكست حالة الترقّب والحذر على أسعار السلع والبضائع والأجهزة الكهربائية والسيارات المهرّبة، جرّاء امتناع المستهلكين عن الشراء وتفضيل الكثيرين الانتظار إلى حين «ثبات» قائمة البضائع والسلع التي ستسمح حكومة الاحتلال بإدخالها إلى غزة.
وقال التاجر أبو شادي، الذي يملك معرضاً لتجارة السيارات في مدينة غزة، إنه يسعى إلى بيع ما لديه من سيارات، ويرفض شراء سيارات جديدة لتلافي خسائر كبيرة إذا قررت إسرائيل إدخال السيارات الممنوعة من الدخول منذ عام 2006. ويوضح أن «تجارة السيارات ضخمة والخسائر فيها لا يمكن تعويضها، وقد تصل إلى عشرة آلاف دولار في السيارة الواحدة. لذلك نتعامل بحذر شديد وترقّب كبير لحركة المعابر». وأضاف «قبل أسابيع قليلة، كنا نتمنى أن يأتي إلينا أحد المواطنين من أجل بيع سيارته، أما الآن فالوضع اختلف كثيراً. هناك رغبة متزايدة لدى المواطنين في بيع سياراتهم، لكننا كتجار نتخوّف من الشراء خشية الخسارة».
ووصلت السيارات، التي لجأ الغزّيون إلى تهريبها من الأنفاق مع مصر لسد العجز في السوق، إلى أسعار خيالية منذ تشديد الحصار. وضرب أبو شادي مثالاً بأن سعر سيارة رباعية الدفع من نوع «هيونداي» طراز 2002 وصل إلى 40 ألف دولار، مؤكداً أن «سعر هذه السيارة سينخفض إلى أقل من النصف إذا دخلت السيارات من المعابر الإسرائيلية».
بدوره، قال صفوت إنه يمتلك سيارة من نوع «فلوكس فاغن» طراز 2002 ابتاعها في الشهور الأولى لفرض الحصار على غزة بنحو 18 ألف دولار، ووصل سعرها قبل بضعة شهور إلى 25 ألف دولار، لكنه على استعداد الآن لبيعها كما اشتراها تجنّباً لخسارة أكبر إذا فتحت المعابر الإسرائيلية أمام السيارات.
صفوت لم يسع إلى عرض سيارته للبيع فعلاً مثلما فعل مصطفى، الذي فشل في مهمته بسبب «سوء» السعر الذي دفعه التجار. وقال «جلت على عدة معارض للسيارات في غزة لبيع سيارتي من نوع «هوندا» طراز 99 التي كانت تساوي قبل بضعة أسابيع نحو 20 ألف دولار، فلم يدفع فيها التجار أكثر من 10 آلاف، فيما دفع أحدهم 11 ألفاً، وقال لي أنا أجازف بشرائها، فإذا فتحت المعابر، فسينخفض ثمنها إلى سبعة آلاف دولار ».
في موازاة ذلك، تشهد محال بيع الأجهزة الكهربائية وأدوات الطهو عروضاً مغرية على جميع أنواع الأجهزة المهرّبة، سعياً من التجار إلى التخلص من بضائعهم مع ورود المعلومات يومياً عن أصناف وسلع جديدة قرر الاحتلال إدخالها إلى غزة.
وقال منير، الذي يملك محلاً لبيع الأجهزة الكهربائية وأدوات الطهو، وهو يشير بيده إلى البضائع المكدسة في محله الصغير في مدينة رفح، إن «أسعار هذه البضائع انخفضت إلى نحو النصف منذ الحديث عن إجراءات تخفيف الحصار».
وأمسك منير بشاشة تلفزيون 50 بوصة، وقال: «قبل نحو شهر ونصف كان سعر هذا التلفزيون 6500 شيكل (الدولار يساوي 3.9 شيكلات)، أما اليوم بـ4500 شيكل فقط ومن دون إقبال من الناس».
إلا أن انعكاس إجراءات الاحتلال عبر خفيف حصار غزة لم يلامس اقتناع الكثيرين بأن الحصار سيرفع كلياً في القريب العاجل. ويستهزئ أبو محمود من هذه الإجراءات ويتساءل: «هل سماح الاحتلال بإدخال الكاتشب والمايونيز والكزبرة يعني انتهاء الحصار؟».
ويعتقد أبو محمود، الذي ينتظر منذ أربعة أعوام أن تعيد الأونروا بناء منزله في مخيم الشابورة في رفح، أن «إسرائيل قررت هذه الإجراءات انحناءً لعاصفة الانتقادات بعد مجزرة الحرية». وقال إن «الحصار مستمر، وإسرائيل ستخدع العالم ببعض السلع والبضائع الثانوية». ولفت إلى أن «انتهاء الحصار يعني السماح بحرية الحركة والتنقل من غزة وإلىها، وإدخال المواد الخام ومواد البناء والسيارات وكل ما يحتاج إليه مليون ونصف مليون فلسطيني».
وفي السياق، وصف المتحدث باسم الحكومة التي تديرها حركة «حماس»، طاهر النونو، الحديث الإسرائيلي عن تخفيف الحصار بأنه «دعاية صهيونية سوداء». وقال إن «الحديث عن تخفيف الحصار ليس إلا ذراً للرماد في العيون ومحاولة لامتصاص الغضب العالمي ضد الحصار الظالم».
وشدد النونو على أن «المقبول فلسطينياً هو استثمار حالة التأييد المتزايدة للقضية الفلسطينية وإنهاء الحصار تماماً وليس حلولاً ترقيعية يحاول الاحتلال تسويقها دولياً».
بدوره، دحض رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار النائب جمال الخضري الادّعاءات الإسرائيلية بإدخال تسهيلات على حركة البضائع عبر المعابر التجارية مع غزة، لافتاً إلى أن مئة صنف فقط من أصل أكثر من خمسة آلاف صنف تدخل غزة حالياً. وقال: «إن ما يروّج له الاحتلال هدفه تخفيف الضغط عليه. وإذا تجاوزنا ذلك، فلا يمكن تنفيذ (التسهيلات) على أرض الواقع، لأن غزة تحتاج يومياً، لإنهاء حصارها، إلى نحو ألف شاحنة، فيما المعبر الوحيد (كرم أبو سالم) الذي تدخل عن طريقه البضائع لا يستوعب سوى 120 شاحنة يومياً».
وحدّد الخضري ثلاثة مطالب رئيسة لا يمكن كسر الحصار من دون تحقيقها، وتتمثل في فتح معابر غزة التجارية كلها وعلى نحو كليّ، والسماح بتدفّق السلع من دون استثناء، بما فيها المواد الخام اللازمة لتشغيل المصانع والأسمنت وأغراض البناء، وفتح الممر الآمن بين غزة والضفة لتنقّل الأفراد، وافتتاح الممر المائي بإِشراف أوروبي.


مضامين السياسةويعتقد عوكل أن الرباعية الدولية أرادت أن يكون الحصار وسيلة للضغط على حركة «حماس» من أجل استيعابها في العملية السياسية، وإرغامها على الموافقة على الشروط الدولية. وما دام الهدف الإسرائيلي وهدف الرباعية لم يتحققا، فإن الحصار بمضامينه الأساسية باق».