هل كان وطنيّاً أم جاسوساً لإسرائيل أم عميلاً لاستخبارات غربية؟ فراس خطيب
ثلاث سنوات مرت على حادثة الموت الغامض للملياردير المصري أشرف مروان، بعدما لقيَ حتفه إثر وقوعه من على شرفة منزله في لندن. كانت نهاية مروان مثل حياته، تملأها تساؤلات لم يحسمها الحبر الكثير الذي سكبه المعلقون. الملياردير المصري الذي عاش في لندن، قيل إنه كان عميلاً للموساد الإسرائيلي. وإنه سلّم رئيس الموساد عشية حرب أكتوبر 1973 معلومات مفادها أن المصريين سيشنون هجوماً على إسرائيل. روايةٌ ترفض عائلته التسليم بها، فاتجهت إلى القضاء البريطاني لفتح التحقيق ثانيةً بداية تموز المقبل.
أسئلة كثيرة ستُطرح عن خبايا أحد «ملفات الظلال» المعقّدة في تاريخ الاستخبارات الشرق أوسطية. حيثيات موت الرجل، الذي عدّه الموساد الإسرائيلي من «أفضل» عملائه، في الوقت الذي وصفه الرئيس المصري حسني مبارك بأنه «وطني ومخلص».
ولد أشرف أبو الوفا مروان عام 1944 في مصر. اتجّه في سنوات الستين نحو دراسة الكيمياء. طوّر ذاته أكاديمياً وخاض غمار الاقتصاد ليحصل على شهادة الدكتوراة. في عام 1966، شهدت حياته نقلة نوعية حين تزوج منى عبد الناصر، ابنة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، واقترب من أروقة النظام المصري وصناعة القرار.
وبحسب الرواية الإسرائيلية، عرض مروان على الموساد خدماته عام 1969. وفي تقرير نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» عام 2007، أي بعد وفاة مروان، قيل إنه كان يأتي إلى أحد البيوت التي استأجرها الموساد في أحد الأحياء اللندنية الغنية، ويسلّم المعلومات هناك. وكان أهمها عشية حرب الغفران.
لا يُجمع الإسرائيليون على الرأي القائل إن مروان كان عميلاً للموساد. ولمّح أحد التقارير، التي أعدها الصحافي رونين برغمان في «يديعوت أحرونوت» (2007)، إلى أن مروان كان «إخفاقاً للموساد»، مستنداً إلى شهادات مسؤولين سابقين في الموساد، استعادوا الليلة التي جمعت مروان بمسؤولي جهاز الاستخبارات. قال أحدهم: «وصل مروان بسيارة محصنة تحمل رقماً دبلوماسياً تابعاً للسفارة المصرية. لم يحاول حتى إيقاف سيارته بعيداً. توقف مروان بجانب البيت، خرج من السيارة. رتّب سترته، ودخل من دون أن يلقي نظرة خاطفة من حوله. لماذا لم يخف من أن تُسرب الاستخبارات البريطانية خبر لقائه إلى المصريين؟ إلا إذا علم المصريون باللقاء». كانت تلك التساؤلات تلميحاً إلى أنه «عميل مزدوج». إنّ القوانين غير المعلنة لعمل الاستخبارات هي إبقاء «هويات» العناصر قيد السريّة. قانون لم يسرِ على مروان لأسباب كثيرة، أهمّها الإخفاق الإسرائيلي في حرب الغفران، وتوصيات لجنة «أغرانات» الرسمية بتحميل المسؤولية لشخصيتين أمنيتين كشفت إحداهما بعد عقود عن هوية مروان. وذكر محلّل الشؤون الاستخبارية في «هآرتس»، يوسي ملمان، أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية إيلي زاعير (ممّن حمّلته «أغرانات» مسؤولية الفشل) سرَّب اسم مروان، وادعى أنّ الأخير «زود الإسرائيليين بمعلومات كاذبة».
في عام 2005، اندلعت حرب إسرائيلية داخلية بين أضداد الاحتياط الأمني، زاعير من جهة، ورئيس الموساد السابق تسفي زامير من جهة أخرى. زامير رفع قضية تشهير ضد زاعير لتصريحاته التي كشف من خلالها اسم مروان، والعكس كان صحيحاً. نقل الملف إلى محكم أصدر قراره عام 2007، وأشار إلى أن مروان لم يكن عميلاً مزدوجاً.
الرجل الذي عاش في رغد أوروبا كان ذكياً. قصته التي ستدّرس في علم الاستخبارات لم تنكشف خيوطها بعد، لا بل إنّها تتعقّد، وسط تعويل كبير على التحقيق البريطاني الذي لم يُكشف عن خباياه حتى اللحظة.
بين مصر وإسرائيل وأوروبا، كبرت قصة مروان واكتسبت تفاصيل جديدة لم تحسم نفسها. فالقضية لا تقتصر على روايات متناقضة تنشرها دولة في حربها الاستخبارية ضد أخرى، إنما هي حرب داخلية أيضاً في إسرائيل ومصر وأوروبا. ففي الأخيرة، تواردت أنباء غير محسومة قالت إن مروان ليس فقط عميلاً مزدوجاً، بل كان مرتبطاً بجهاتٍ أوروبية على رأسها بريطانيا وإيطاليا.

كان مروان في صدد تأليف كتاب عن دوره في حرب الغفران، يحوي معلومات «متفجّرة»

المحاضر الإسرائيلي في بريطانيا، أهارون برغمان، كان أول من نشر اسم مروان. برغمان الذي كان على علاقة بمروان، قال «أنا لا أحب مصطلح عميل أجنبي، لقد وجد (مروان) من الصحيح أن يخدم أسياداً آخرين، إضافةً إلى إسرائيل ومصر. كان هناك الإيطاليون والبريطانيون. عمل هذا الأساس ليس فقط من أجل الأموال والايديولوجيا، إنَّما كان يتمتع بلعبة التجسّس. ولكن مع نهاية اليوم، ولاؤه كان للمصريين».
أشرف مروان نهاية لا تزال مفتوحة. قبل شهور من وفاته، أعلن أمام عدد من معارفه أنه في صدد تأليف كتاب عن دوره في حرب الغفران، وقال إن الكتاب يحتوي على معلومات «متفجرة». أظهر قرصاً مدمجاً وقال إنّ الكتاب موجود فيه. حين لقي حتفه، لم يُعثَر على القرص، لتظل التساؤلات قيد المجهول.