رفضت الخرطوم وطرابلس إعطاء قرار السودان إقفاله الحدود مع ليبيا أي طابع سياسي يدلّ على أزمة، نتيجة استضافة الأخيرة زعيم حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم
جمانة فرحات
رفض السودان أمس وضع قراره إغلاق الحدود مع ليبيا اعتباراً من يوم غد في سياق ضغط من الخرطوم على طرابلس لطرد زعيم حركة العدل والمساواة، خليل إبراهيم، وذلك رداً على ما تردد عن فشل جهود المسؤولين السودانيين بإقناع ليبيا بالإسراع في اتخاذ قرار الطرد ووجود أزمة دبلوماسية مكتومة بين البلدين.
وأكدت مصادر سودانية أمس لـ«الأخبار» أن «إجراء إقفال الحدود هو إجراء وقائي احترازي بحت لا صلة له بالعلاقات بين البلدين»، مشددةً على أن العلاقات بين الخرطوم وطرابلس «راسخة ومتينة وقوية، ومبنية على ثقة».

محاولات إعطاء طابع سياسي لإغلاق الحدود «أمر غير صحيح وغير مقبول»
ورأت المصادر أن محاولات إعطاء طابع سياسي دبلوماسي لإغلاق الحدود «أمر غير صحيح وغير مقبول». ولفتت إلى أن السلطات السودانية استبقت إعلان وزير الداخلية السوداني إبراهيم محمود أحمد، أول من أمس، أن السودان سيغلق كل منافذه الحدودية البرية مع ليبيا اعتباراً من أول تموز بسبب «تهديد المتمردين والخارجين عن القانون»، «بإخطار ليبيا بنيتها الإقدام على هذه الخطوة قبل فترة طويلة»، مؤكدةً أن طرابلس «وافقت عليها وتفهمتها».
تفهم واكبته طرابلس أمس بتصريحات نقلتها صحيفة «الوطن» الليبية على موقعها الإلكتروني، عن مصدر مسؤول باللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي، بأن «ليبيا تتفهم تماماً القرار الذي اتخذته السودان بقفل منافذها وحدودها البرية التي تربط بين البلدين الشقيقين، وذلك لأسباب معروفة للجميع، وخاصة أن مشاكل دارفور لا تزال مستمرة».
وطمأن المصدر الليبي السودان إلى أنه «لن يمسّه أي سوء من جانب الجماهيرية العظمى، فنحن أشقاء، والتعاون بيننا مستمر على خير ما يرام».
تبادل رسائل الطمأنة بين الخرطوم وطرابلس كان واضحاً بعدما بدت المصادر السودانية حريصة بدورها على نزع أي محاولة لتوتير العلاقة مع ليبيا.
وشددت المصادر على أن «ليبيا بلد شقيق وصديق وجار»، و«لها دور إيجابي كبير جداً في كل قضايا السودان وتحديداً دارفور»، مذكرةً بأن ليبيا قامت بدور الوسيط مرات عديدة بين الحكومة السودانية وحركات دارفور من جهة وبين تشاد والسودان من جهةٍ ثانية، ومؤكدةً أن «ليبيا كان لها أثر كبير في الاستقرار الذي وصل إليه إقليم دارفور الآن».
وجددت المصادر ثقة الحكومة السودانية بالدور الليبي في قضية زعيم حركة العدل والمساواة، ولا سيما بعدما أشيع عن رغبة ابراهيم في التوجه عبر الأراضي الليبية إلى دارفور أو استخدامها كمنطلق لشن هجمات جديدة على الحكومة السودانية، ما سمح للبعض بالحديث عن محاولة ليبيا إعادة التدخل على نحو سلبي في دارفور عبر إمداد حركات التمرد بالأموال والسلاح.
إلا أن المصادر السودانية ركزت على تصريحات المسؤولين الليببين، وفي مقدمهم الزعيم معمر القذافي، لجهة عدم السماح «لأي كان من أن ينطلق من ليبيا ليقوم بأعمال عدائية ضد السودان»، وذلك بعد فشل الزيارات التي قام بها عدد من المسؤولين المعنيين بملف السلام في الإقليم، بدءاً بالرئيس التشادي، إدريس ديبي، والمبعوث الأميركي الخاص للسودان، سكوت غرايشن، والوسيط الأممي، جبريل باسولي إلى طرابلس لإقناع ابراهيم بالعودة إلى مفاوضات الدوحة.
ولفتت المصادر إلى أن ليبيا ترى في موضوع ابراهيم «موضوعاً عابراً ولن يتحول إلى مقيم في الأراضي الليبية»، متحدثةً عن محاولات ليبية لإقناعه بالعودة إلى الدوحة لاستئناف المفاوضات المتوقفة مع الحكومة السودانية منذ تفعيل الأخيرة مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه على خلفية هجوم شنته حركة العدل والمساواة في عام 2008 على منطقة أم درمان.

تتواصل المحاولات لإقناع إبراهيم بالتوجّه إلى الدوحة لاستئناف المفاوضات

وفي السياق، أكدت المصادر أنه يمكن النظر في وضع ابراهيم الذي بات بلا وثائق رسمية، بعدما أقدمت تشاد، حليفه الرئيسي السابق، على رفض السماح له بمغادرة طائرته التي حطت في مطار انجمينا في شهر أيار الماضي وتمزيق جواز سفره ومرافقيه إرضاءً للخرطوم التي أعادت تطبيع العلاقة معها قبل وقتٍ قصير.
ولفتت المصادر إلى وجود خيارات متعددة لتسوية مسألة وثائق إبراهيم، لكنها رهنتها بموافقة ابراهيم على التوجه إلى الدوحة لاستكمال المفاوضات، وأكدت أنه يمكن أن تجرى الترتيبات مع الدوحة لنقله إليها، وإما أن تصدر له وثائق بديلة من قبل الحكومة السودانية.
وعن اعتبار البعض أن موافقة طرابلس على استضافة ابراهيم، بعدما تقطعت به السبل، يأتي بهدف محاولتها إيجاد منبر تفاوضي بديل للدوحة، أكدت المصادر السودانية عدم صحة هذا الادعاء «على اعتبار أن هناك اتفاقاً من قبل القوى الإقليمية والدولية المعنية بتحقيق السلام في إقليم دارفور على أن منبر المفاوضات المتاح الآن هو منبر الدوحة، وأنه ليس هناك منبر تفاوضي آخر بديل».