باتت تهمة التجسس حاضرة في إسرائيل لنسبها إلى أي قيادي وطني من فلسطينيي الـ 48 يعمل على فضح العنصرية الصهيونية. حالة عمر سعيد وأمير مخّول نموذجاً
حيفا ــ فراس خطيب
بعد 16 يوماً من التعتيم الإعلامي وحظر النشر، تمَّ الكشف أمس عن قضية اعتقال الشخصيتين البارزتين لدى فلسطينيي الـ 48، الدكتور عمر سعيد وأمير مخول، بشبهة «التجسس» و«الاتصال بعميل أجنبي تابع لحزب الله». خطوة يراها الفلسطينيون «تصعيداً ممنهجاً ضد الفلسطينيين لمنع التواصل مع العالم العربي والحد من نشاط من يفضح عنصرية إسرائيل».
وسمحت محكمة الصلح الإسرائيلية في بيت تكفا أمس بالنشر الجزئي عن اعتقال رئيس لجنة الدفاع عن الحريّات المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل، أمير مخول، والباحث القيادي في حزب التجمع الوطني الديموقراطي، الدكتور عمر سعيد.
وقالت الشرطة، في بيان مقتضب، إن الاثنين مشتبهان بـ«مخالفات أمنية خطيرة وقضية تجسس» و«الاتصال بعميل أجنبي تابع لحزب الله».
يذكر أنّ سعيد (48 عاماً) اختصاصي وباحث في مجال الطب البديل، وهو من القياديين البارزين في حزب التجمّع الوطني الديموقراطي بزعامة الدكتور عزمي بشارة. وكانت قوات كبيرة ومعزّزة من الشرطة الإسرائيلية قد اعتقلته في الرابع والعشرين من نيسان الماضي على جسر الملك حسين، حين كان متجهاً إلى الأردن. وقد أجرت الشرطة تفتيشاً تعسفياً في بيته، وصادرت حواسيبه وحواسيب العائلة، ومنعته طيلة فترة الاعتقال من لقاء محاميه، إلى أن سمح له بذلك فقط فجر أول من أمس.
وقال محامي سعيد، حسين أبو حسين، لـ«الأخبار»، «كان وضعه صعباً، تنقصه ساعات نوم كثيرة. في بعض الأحيان كان يتم التحقيق معه لمدة 18 ساعة متواصلة من قبل 5 طواقم تحقيق».
أما أمير مخول، (52 عاماً)، فيعدّ واحداً من نشطاء العمل الأهلي في الداخل. ويرأس اتحاد جمعيات أهلية عربية «اتجاه»، وله نشاط جماهيري واسع على الصعيد العام. وقالت زوجته، الباحثة جنان عبده، إن الشرطة الإسرائيلية اعتقلته فجر الخميس الماضي (6/5/2010)، حين وصلت قوات كبيرة إلى بيته حيث أجرت تفتيشاً دقيقاً. ولا يزال مخول ممنوعاً من لقاء محاميه حتى هذه اللحظة. وقال النائب السابق عصام مخول، شقيق أمير، إن ما يجري يندرج ضمن الملاحقة السياسية نتيحةً لنشاط شقيقه أمير في فضح العنصرية الإسرائيلية.
ورأى محامي المعتقلين، حسين ابو حسين، أن الشبهات المنسوبة لمخول وسعيد (التجسس والاتصال بعميل أجنبي) أصبحت في الآونة الأخيرة بمثابة تهم جاهزة يمكن تلفيقها ضد أي ناشط سياسي وحقوقي له علاقات مع العالم العربي ومع الحملة الدولية لمناهضة إسرائيل وممارساتها. وأضاف إن «المحاكم الإسرائيلية تتفهم الدواعي الأمنية وتضفي شرعية على السواد الأعظم من نشاطات الأجهزة الأمنية.
وقال النائب جمال زحالقة، من التجمع الوطني الديموقراطي، لـ«الأخبار»: «يبدو أنّ المؤسسة الاسرائيلية بدأت تفقد أعصابها، وتعتبر أي تواصل مع العالم العربي خطراً على أمنها. لا يمكن فهم ما يجري الا في إطار ما قاله رئيس الشاباك الاسرائيلي يوفال ديسكين بعد الحرب على لبنان وهو أن ما يجري في صفوف الفلسطينيين في الداخل هو التهديد الاستراتيجي على اسرائيل كدولة يهودية. وعندما تعرّف المخابرات بأن العمل السياسي الذي يتحدى الصهيونية، والحدود التي ترسمها اسرائيل بأنه تهديد استراتيجي فهي تلاحق الشخصيات الوطنية».
وأضاف زحالقة: «لقد فشلوا في السابق وسيفشلون الآن». وتابع: «عمر وأمير معروفان بعملهما السياسي، الوطني والمعادي للصهوينة وإسرائيل تعمل طيلة الوقت لإضفاء بعد أمني على هذا النوع من العمل السياسي».
وكان وقع القضية قاسياً على الجماهير الفلسطينية في الداخل، إذ تصدّرت عناوين المواقع الإلكترونية ونشرات الأخبار التلفزيونية. ومع اقتراب المساء، شهد شارع الجبل في مدينة حيفا تظاهرة شارك فيها المئات، وقفوا على جانبي الطريق، ورفعوا الأعلام الفلسطينية وصور عمر سعيد وأمير مخول. وكانت الهتافات عالية، يسيطر عليها الغضب وسط حضور طاغٍ للشرطة الإسرائيلية التي وقفت على الجانب الآخر للشارع. وطالب المتظاهرون بوقف الملاحقة السياسية للقيادات العربية، وهتفوا من أجل تحرير الأسرى، وصمود الاثنين في التحقيق.
وفي مقدمة المتظاهرين، ظهرت زوجتا المعتقلين، إنعام سعيد وجنان عبده مخول، اللتان أكّدتا أن سعيد ومخول يملكان القوة الكافية للتصدي لمثل هذه الشبهات المجحفة.
وحملت جنان عبده مخول ملصقاً بصورة زوجها أمير، كتب عليه بالأسود والأحمر «الحرية لأمير مخول»، بينما رفعت إنعام سعيد لافتة ضخمة برتقالية كتب عليها «أطلقوا سراح المناضل عمر سعيد».