في ذروة ثورة الشعور الجيد التي اجتاحت أميركا في ثمانينيات القرن العشرين، كنت هنا طفلاً سعيداً feeling good، وكأني تأثرت بالموجة الأميركية اللعينة دون أن أسمع بها حتى.أحببت الكثير من الأشياء التي جعلتني feeling good إلى أبعد الحدود.
أحببت بالدرجة الأولى اللعب بالكرة وما يقتضيه ذلك من تحطيم نوافذ وتكسير زجاج على طول الحارة وعرضها، أحببت إمكانية الإختباء من أمي القلقة في صناديق الخضر الخشبية المركونة في زاوية مهملة من دكان أبو نوري.

أحببت جداً بطولاتي المتكررة وأرقامي القياسية في الوصول أولاً إلى فرع المؤسسة العامة الاستهلاكية لمجرد انتشار إشاعة وصول مواد تموينية إليها، لأفوز مرة بعد مرة بالجائزة الكبرى وهي استقبال أمي لي استقبال الفاتحين، وقد عدت إليها بعلبة سمن أو زيت أو محارم.
أحببت التلفزيون الرسمي (الأوحد)، لذا فقد أحببت قمر عمرايا ومنتخب سوريا وعدنان بوظو إلى حد ما، وكرهت بالطبع الإمبريالية العالمية واسرائيل وفرقة الرقة للفنون الشعبية والعميل أنطوان لحد (حتى إنني ما زلت «أنقز» كلما سمعت كلمة عميل برغم أنها في أيامنا هذه لا تستخدم إلا بمعنى زبون client).
أحببت أيضاً مارسيل خليفة و«موتور» الـvespa وكراش وسينالكو وعصمت رشيد والصبوحة جميعاً، وبالدرجة نفسها.
عشقت منى كردي ونجوما وأضواء، والـ ABBA وBONY M وأذهلني مايكل جاكسون بمشيته القمرية... الشيطان وحده يعرف كيف كنت أسهر للعاشرة ليل السبت لأسترق النظر إليهم.
كنت أمقت الأيدي الماهرة وبرنامج العمال بل وأرضنا الخضراء أيضاً، ولم أغفر حتى هذه اللحظة لوديع الصافي غناءه «خضرا يا بلادي خضرا»، لكن كل ذلك لم يكن ليؤثر في شعوري العام الجيد.
لسبب ما استفاق الأميركيون مطلع الثمانينيات على شعار I FEEL GOOD (عنوان أغنية شهيرة لجايمس براون أطلقت مطلع الستينيات). I FEEL GOOD كانت ربما سبباً أو نتيجة لهيمنة قيمة الاستهلاك المباشرة على كل شيء حتى يومنا هذا.
I FEEL GOOD لقدرتي على شراء الكثير من الأشياء التي تجعلني أشعر بذلك. كل شي متوافر بكثرة وبمقدوري امتلاكه لذا I FEEL GOOD.
فضلا عن كل الدراسات والتحليلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية حول الأسباب التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي بتلك الطريقة الدراماتيكية، يظن الكثيرون أن موضة I FEEL GOOD التي اجتاحت أميركا وأوروبا (بالعدوى) كانت سبباً رئيسياً بتنامي شعور الاحباط الجمعي في مجتمعات المنظومة الاشتراكية، ما أدى إلى تفككها في النهاية.
حسناً لقد كنت FEELING GOOD في الثمانينيات وأجزم بأنني لم أكن الوحيد. كنت كذلك ببساطة دون أن يكون في بيتنا جهاز VHS أو لعبة TETRIS الشهيرة ودون كوكا كولا قبل أو بعد فشلها التسويقي الذريع، بل حتى إنني كنت FEELING GOOD دون أن أكون ذلك الشاب الأسود الذي يحمل مسجلة كبيرة على كتفه ويرقص في الشارع.
ترى ما الذي حدث فعلاً حتى I DONׂ T FEEL GOOD ANYMORE؟