محمد محسنمنذ ساعات الصباح الأولى، لم يهدأ هاتف منزل الدكتور هاني سليمان، رئيس البعثة اللبنانية في «أسطول الحريّة». الجميع يريد الاطمئنان إليه بعدما شوهد على الفضائيات يقاوم جرحه ويقوم من السفينة. لكنّ الاتصال انقطع به منذ بدء الهجوم الإسرائيلي، قبل أن يعاود تطمين ابنه أدهم إلى أنّه بخير ويعالج في المستشفى. آخر كلماته قبل الهجوم الإسرائيلي يلخصّها نجله: «نحن على بعد 120 ميلاً بحرياً من غزة. الإسرائيليون يقتربون كما في المرة الماضية. معنوياتنا مرتفعة. نحن لن نرجع إلى الوراء».
بعدما تأكدوا من سلامته، سأل كثيرون في الاعتصام الذي جرى أمام «الإسكوا»، أمس، عمّا يمكن أن يكون الدكتور هاني سليمان قد فعله للجنود الإسرائيليين. رئيس البعثة اللبنانية في «أسطول الحرية»، كما يروي عنه المقرّبون، «شجاع لا يخاف الإسرائيليين أبداً». يردّد محامي الثائر الياباني أوكوموتو دائماً: «هم جبناء كثيراً، لولا مدرّعاتهم وطائراتهم الضخمة».
لن يكون أسطول الحرية آخر نضالات سليمان، والأكيد أنه بعد عودته، سيعدّ لكسر حصار غزّة مرة أخرى. بدأت نضالات سليمان، ابن بلدة بدنايل البقاعية، منذ ريعان شبابه. هو صورة عن تاريخ بلدته في العمل النضالي. لم يترك اعتصاماً أو تظاهرةً مطلبيةً أو سياسيةً داعمةً للقضايا العادلة للشعوب إلا وتصدّرها. لبرهة تظنّه فييتنامياً يتظاهر لتحرير هانوي، وفي مشهد آخر من شبابه، يرويه أصدقاؤه، تخاله مصرياً أو جزائرياً يرفض حروب الجزائر والسويس.
للجامعة اللبنانية حصة من نضالاته، يوم كان للحركة الطالبية كلمة تفرضها. «في الجامعة اللبنانية، كان دوره أكبر من موقعه التنظيمي»، يقول سعد الله مزرعاني الذي عرفه أيام النضالات الطلابية. وفي هذه الأيام أيضاً، كان للجنوب ومقاومته حصّة من عامه. وبحسب الأمين العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية معن بشّور، فقد كان سليمان في طليعة المشاركين أثناء «بناء الملاجئ في القرى الأمامية، خلال حملات التطوّع التي كنّا ننظمها لهذا الغرض». أكثر ما يظلّ يذكّر أبناءه به هو أنّه «عربي من لبنان».
هكذا، لا يبدو مشهد السفينة غريباً عن الدكتور هاني سليمان. كيف لا؟ وهو الذي جهد في الإعداد لكسر الحصار. جهد استخدم فيه كلّ خبرته في صناعة المنتديات والملتقيات الداعمة للقضية الفلسطينية. يرأس سليمان بعثة لبنانية تضمّ إلى جانب الإعلاميين، ومن بينهم الزميل عباس ناصر، رجلين. الأوّل هو نبيل حلّاق، المنسّق الإعلامي للبعثة اللبنانية. أما الثاني فهو حسين شكر والد شهداء مجزرة النبي شيت في عدوان تموز 2006.
لم يستشهد أيّ من اللبنانيين. وبينما ليس لشكر إلا شهداء عبّر عن شوقه إلى لقائهم، استجاب حلّاق لطلب ابنه الوحيد راني: «بابا اذهب إلى غزّة». حلّاق، كما تروي زوجته يسرى، مستعد لكل الاحتمالات. توجز مشاركته في الرحلة بجملة قالها قبل السفر «لقد عشنا الحصار. إن دافعنا هو نصرة شعب محاصر». لم تعرف بخبر اعتقاله إلا من التلفاز. بقيت تسهر حتى فجر أمس، وساعة غفت عيناها، بثّت الفضائيات خبر الهجوم الإسرائيلي على الأسطول. بانتظار عودته، تجهّز يسرى لزوجها كل ما كتبته الصحف عن قصة الأسطول الذي حاول كسر الحصار.