كما هي الحال في أعقاب كل المجازر التي ارتكبتها في تاريخها، بدأت إسرائيل حملتها السياسية والإعلامية التي ترتكز على مبدأين أساسيين: تحميل المسؤولية للضحايا التي تسقط بنيران جيشها، وترويج أنها كانت في حالة الدفاع عن نفسها
علي حيدر
رغم النتائج الدموية للاعتداء الذي شنته وحدات النخبة في سلاح البحرية التابع للجيش الإسرائيلي، «الشييطت 13»، على المدنيين الذين كانوا على متن قافلة «الحرية»، لم يتخذ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قراره بقطع زيارته لواشنطن إلا بعد تردد ومشاورات استمرت طوال نهار أمس، سبقه قرار مواصلة رحلته إلى كندا والولايات المتحدة، واللقاء بالرئيس الأميركي باراك أوباما في الموعد الذي كان مقرراً. إلا أن حجم الانتقادات في الداخل الإسرائيلي والمخاوف من طبيعة ردة الفعل التركية وحجمها دفعاه إلى تغيير قراره والعودة إلى إسرائيل.
بدوره، بادر وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إلى ترجمة الخط الدعائي الذي انتهجته المؤسسة الرسمية الإسرائيلية في تبرير المجرزة بإلقاء المسؤولية على عاتق الضحايا، متهماً إياهم بأنهم دافعوا عن أنفسهم في مواجهة إنزال جوي إسرائيلي على متن السفينة التي تبحر بهم في المياه الدولية.
وبرر باراك الجريمة التي ارتكبها الجنود المدججين بالسلاح والمدعومين بسلاحي الجو والبحرية، بأنهم تعرضوا للخطر من المدنيين العزّل الذين كانوا على متن السفينة مرمرة، الأمر الذي دفعهم إلى إطلاق النيران بغزارة أدت إلى إصابة العشرات وسقوطهم بين قتيل وجريح.
ورأى باراك في تحذير إسرائيل للقافلة بعدم التوجه نحو غزة، سواء قبل انطلاقها أو خلالها إبحارها، ودعوتها إلى التوجه لميناء أسدود، مبرراً لمهاجمة الجيش الإسرائيلي لها في المياه الدولية. وأثنى على كفاءة قوات الجيش المهاجمة، مشيراً إلى أنه يعرف هذه الوحدات التي قامت بالمهمة وقادتها، وواصفاً الجنود المهاجمين الذين ارتكبوا المجزرة بأنهم من «خيرة رجالنا».
والتزاماً بمبادئ الدعاية الإسرائيلية، رأى باراك أنه «في ضوء الخطر على الحياة، يضطر الجنود إلى استخدام وسائل لتفريق المتظاهرين ولو بالسلاح الناري»، من دون أن يشير إلى أن جيش الاحتلال لجأ إلى أساليب أخرى أقل عنفاً.
واستكمالاً للحملة التي بدأت قبل انطلاق قافلة السفن، واصل باراك نفي وجود «مجاعة أو أزمة إنسانية» في القطاع. ورأى في محاولة إيصال المواد الغذائية والطبية إلى قطاع غزة «استفزازاً سياسيّاً»، متهماً منظمي القافلة بأنهم يؤيدون «منظمات إرهابية لا علاقة لها بالمساعدات الإنسانية». ورغم أن إسرائيل هي من ارتكب المجزرة، فقد دعا باراك إلى «ضبط النفس... وعدم المسّ بالاستقرار»، مؤكداً أن «إسرائيل ستدافع عن نفسها»، محملاً حركة «حماس» المسؤولية المطلقة عن الوضع القائم في القطاع.
وفي محاولة لامتصاص ردة الفعل التركية، أدى باراك دور وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، واتصل بوزيري الخارجية والدفاع التركيين، والسفير التركي في تل أبيب.
لكن حجم المخاوف الإسرائيلية من التداعيات التي يمكن أن تترتب على العلاقات مع تركيا، دفع بتل أبيب إلى الطلب من الإسرائيليين الموجودين على الأراضي التركية التزام أماكن إقامتهم، ومن السفن الإسرائيلية التي كانت متوجهة إلى الشواطئ التركية تغيير مسارها. بدورها، قدمت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية روايتها التي تجسد السياسة الدعائية التي حددتها الحكومة. ورأى رئيس أركان الجيش، غابي أشكنازي، في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع باراك، أن الجنود «تصرفوا بمسؤولية»، وبرر استخدامهم النيران الحية بهدف القتل، بالقول إنه كان على متن السفينة «عصي وسكاكين». وحاول أشكنازي أن يقدم رواية ما جرى كما لو أنه يتحدث عن عملية عسكرية. وأعلن أن الهدف من العملية كان «منع إدخال أسلحة إلى غزة»، مشيراً إلى أن «سلاح البحرية استعد حسب التعليمات المعطاة له». واتهم أشكنازي المدنيين الذين أُصيبوا «باستخدام العنف»، خلال دفاعهم عن أنفسهم في مواجهة هجوم جيش الاحتلال.
بدوره، رأى قائد سلاح البحرية الإسرائيلي، أليعازير ماروم، بعدما كرر الرواية التي قدمها أشكنازي، أن المتضامين مع قطاع غزة على متن السفن «تصرفوا تصرفاً غير لائق». وادعى أن المقاتلين الجنود أظهروا «ضبطاً للنفس» بالرغم من عشرات القتلى والجرحى من المدنيين. وكاد رئيس سلاح البحرية يشكر الجنود لعدم سقوط إصابات أكثر مما حصل، بالقول إنه «كان يمكن لحادثة أن تكون أخطر بكثير ممّا جرى، لو تصرف الجنود على نحو آخر».
يشار إلى أن نتنياهو كان يتلقى التقارير عمّا جرى من رئيس الوزراء بالوكالة، موشيه يعلون، الذي أطلع رئيسة المعارضة تسيبي ليفني على مجريات الوضع، التي تطوعت بدورها للترويج للدعاية الرسمية الإسرائيلية.
من جهة أخرى، توقع وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي، بنيامين بن اليعازير، الموجود حالياً في قطر، حدوث فضيحة كبيرة في أعقاب المجزرة، مشيراً إلى أن كل ما جرى كان مخططاً له «منذ نحو شهرين» وأن إسرائيل حاولت بكل الطرق أن تشرح لهم «يا سادة لا تحاولوا القيام بذلك، لأننا من حقنا الدفاع عن أنفسنا». لكنه عاد وأقر بأنه «عندما تسقط الدفاع لا يمكنك تفسير أي شيء».
بدوره ادعى نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون، خلال مؤتمر صحافي، أن القوات الإسرائيلية عثرت على أسلحة على متن سفن كسر الحصار على غزة، من دون أن يشير إلى نوعيتها. وفي محاولة لكسب الرأي العام الدولي، اتهم أيالون منظمي «أسطول الحرية» بأنهم على علاقة بحركة «حماس» وتنظيم «القاعدة». ووصف أيالون محاولة إيصال المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة، بأنها عملية «استفزاز»، متهماً المنظمين بأن «نياتهم» كانت عنيفة. ولفت إلى أن إسرائيل تعمل على «إدارة الأزمة، والتعليمات حالياً تقضي بالتعاون والسعي إلى إنهاء القضية» بعدما أتم الجيش الإسرائيلي مهمته بقتل وجرح واعتقال كل من كان على متن السفن. ورغم أن عدداً من القتلى هم من الأتراك، رأى أيالون أنه لا «قضية بيننا وبين تركيا».