تحوّل ميناء غزة الصغير إلى «قبلة» لآلاف الغزيّين الذين خرجوا في مسيرات غضب عفوية، وتنديد بـ«المجزرة» الإسرائيلية بحق «أسطول الحرية»
غزة ــ قيس صفدي
بدا ميناء غزّة، أو «مرفأ الصيادين»، الذي زيّنته الأعلام الفلسطينية وأعلام الدول المشاركة في «أسطول الحرية»، كئيباً وحزيناً، بعدما انتظر ضيوفاً حالت المجزرة الإسرائيلية دون وصولهم إليه.
الكلام في المجزرة وشجاعة المتضامنين وضعف الموقف العربي سيطر على أحاديث الغزيّين، الذين استيقظوا على «يوم دام» وأصوات مكبّرات الصوت في المساجد تنعى شهداء المجزرة الإسرائيلية.
وامتنع التجّار عن فتح محالّهم التجارية في غزة. كما خرج طلاب المدارس قبل موعد انتهاء يومهم الدراسي، فيما فضّل كثيرون الجلوس طويلاً أمام شاشات الفضائيات لمتابعة تفاصيل المجزرة وتداعياتها.
ودعا رئيس الحكومة المقالة، التي تديرها حركة «حماس»، إسماعيل هنية، إلى إضراب عام وشامل اليوم، وفتحت الحركة الإسلامية بيت عزاء لضحايا «أسطول الحرية» وشهدائه في الخيمة التي كانت معدّة لاستقبالهم داخل ميناء غزة.
وقال عماد عودة، أحد الغزيّين الذين احتشدوا في ميناء غزة، وهو يتّكئ على عكّازيه: «جئت تضامناً مع من تركوا منازلهم وأسرهم وجاؤوا ليتضامنوا معنا».
الغزيّون يرفعون صوراً لأردوغان في منازلهم ومحالّهم التجارية
وقال عماد، الذي فقد القدرة على المشي لإصابته بشظايا صاروخ إسرائيلي خلال حرب غزة عام 2008، إنّ «الاحتلال اغتال أمله في الحصول على كرسي متحرك يساعده في التغلّب على إعاقته».
ويحمل أسطول الحرية على متنه 500 كرسي متحرك لمعوّقي الحرب التي خلّفت نحو 600 معوق، إضافةً إلى أطنان من المساعدات الإنسانية والطبية التي تمنع سلطات الاحتلال إدخالها إلى قطاع غزة المحاصر منذ أربعة أعوام.
كان عماد ينتظر أن يظفر بكرسي متحرك. ولم يبقَ له إلا أن يأمل أن تحرّك المجزرة المجتمع الدولي والعرب لكسر حصار غزة، وتمكين المرضى والمعوقين من السفر لتلقي العلاج في الخارج.
من جهته، قطع باسم الكفارنة، الذي أصيب بشلل نصفي جرّاء تعرضه لقذيفة مدفعية إسرائيلية خلال الحرب، مسافة طويلة من منزله في بيت حانون شمال قطاع غزة إلى ميناء غزة، احتجاجاً على المجزرة. قال والعرق يتصبّب من جسده: «جئت تضامناً مع أبطال أسطول الحرية». خبر المجزرة وقع على باسم مثل «الصاعقة» التي ضاعت معها أحلامه وأمنياته بالحصول على كرسي يساعده على الحركة والتنقل.
إلا أن باسم لا يتمنى أن يكرّر المتضامنون تجربة كسر الحصار عن طريق البحر، خوفاً من مجزرة إسرائيلية أخرى. وقال «إن المجزرة ألقت مجدداً بمسؤولية كسر الحصار على الدول العربية».
الغضب من المواقف العربية الضعيفة قابله إعجاب متنامٍ بالمواقف التركية في نفوس الغزيين، الذين رفع الكثيرون منهم الأعلام التركية فوق منازلهم، وعلّقوا صوراً لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في منازلهم ومحالّهم التجارية.
وقال الطالب الجامعي أحمد حماد، بينما كان يرفع العلم التركي، إنّ «تركيا تدعم يومياً القضية الفلسطينية وقطاع غزة، بينما الدول العربية تقف عاجزة وصامتة أمام الجرائم الإسرائيلية، وجريمة الحصار والقتل البطيء ضد سكان غزة». وأكد أن «أمام الدول العربية فرصة كبيرة لاتخاذ قرار واضح بكسر حصار غزة، رداً على المجزرة والقرصنة الإسرائيليّتين ضد المتضامنين الأبرياء على متن أسطول الحرية». هذه الفرصة التي تحدّث عنها أحمد تبدو بعيدة المنال برأي أبو سعيد المنيراوي، الذي قال إنّ «العرب اعتادوا الصمت والاكتفاء بعبارات ضعيفة من الاستنكار للجرائم المتكررة التي ترتكبها قوات الاحتلال منذ عقود». وأضاف إن «1400 فلسطيني استُشهدوا خلال الحرب، ولم تغلق الدول العربية سفارة أو تطرد سفيراً إسرائيلياً، فكيف ستحرّكها دماء المتضامنين الأجانب؟».