جمانة فرحاتتتسارع وتيرة التطورات في السودان مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، الذي لا يزيد المشهد السياسي إلا توتراً بفعل الانقسامات المتزايدة، التي دفعت البعض للتحذير من حريق ستشهده البلاد إذا ما أجريت الانتخابات في موعدها المقرر في الحادي عشر من الشهر الجاري.
ووسط بازار المقاطعة، الذي افتتح مع إعلان مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان، ياسر عرمان، الانسحاب من السباق الرئاسي، وتواصل مع إعلان العديد من أحزاب جوبا انسحابها من الانتخابات بمختلف مستوياتها، نجحت الحركة الشعبية في دفع الأحزاب الرئيسية في المعارضة إلى إعلان مقاطعتها الكاملة للانتخابات سعياً منها لتطبيق استراتيجيّة غير معلنة.
استراتيجية محورها الأول والأخير ضمان حصول الاستفتاء على مصير الجنوب العام المقبل، من دون مفاجآت. وعلى الرغم من تكاثر الحديث عن صفقة بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية، سمحت بتعبيد الطريق أمام ولاية رئاسية جديدة، باتت في حكم المؤكدة للبشير، فإن عدداً من الملاحظات يمكن تسجليها بشأن أسلوب وحيثيات إعلان الحركة سحب مرشحها الرئاسي، تتخطى الحديث عن مجرد شكاوى انتخابيّة أو صفقة سياسيّة مع الحزب الحاكم. فالحركة التي تتمتع بموقع مميّز في الخريطة السياسيّة السودانيّة، لم تنتظر انتهاء الاجتماعات التي كانت أحزاب جوبا قد بدأتها، في محاولة منها للتوصل إلى موقف موحد من الانتخابات الرئاسية، بل على العكس من ذلك، امتنعت عن حضور اجتماع الأحزاب يوم الأربعاء الماضي وانتظرت انفضاضه حتى تعلن منفردةً خطوتها بسحب ترشيح عرمان ومقاطعة الانتخابات في إقليم دارفور، لتفرض على مختلف الأحزاب السير وراءها، بدلاً من التنسيق معها. وهو ما أثار استياء أحزاب المعارضة، وأحدث انقسامات بين الذين يؤيدون المقاطعة والذين يعتقدون بضرورة خوض الانتخابات، دفع بعضهم للمزايدة على الحركة بإعلان مقاطعتهم الكلية للانتخابات. وتصعيد الحركة لا يعني بالضرورة أنها سارعت لإرضاء البشير واستمالته بعد تهديده لها بأن الاستفتاء في الجنوب لن يجرى في حال مقاطعتها الانتخابات عموماً، بل يبدو أن الحركة أقدمت على خطوات استباقيّة لتضييق الخناق على البشير وقطع الطريق أمام محاولته فرض شروط جديدة على إجراء الاستفتاء في فترات لاحقة، بعدما ساهم تهديده الأخير في تعزيز عدم الثقة المفقودة أصلاً بين الطرفين.
وبعدما أيقنت الحركة أن البشير عائد حتماً إلى القصر الرئاسي، في ظل عمليات التلاعب التي بدأت تتّضح أساليبها، ارتأت تغيير استراتيجيتها. وبدلاً من السير في منافسة البشير على منصب الرئيس، فضلت الحركة العمل على تصعيب مهمته في اكتساب الشرعية التي ينشدها لولايته الجديدة، بهدف جعله رئيساً ضعيفاً ومحاصراً، في استعادة للنتائج السياسية لانتخابات 1996 و2002.
وسحب مرشحها يهدف عملياً إلى جعل البشير يبدو كأنه لا ينافس إلا نفسه. إذ إن المرشحين الذين قرروا مواصلة السباق الرئاسي لم يكن لديهم في الأساس أيّ أمل في الفوز، على عكس عرمان أو مرشح حزب الأمة، الصادق المهدي، اللذين كانا يمثّلان تهديداً جدياً لحظوظ البشير بالفوز.
ومن وجهة نظر الحركة، يمهد فوز البشير، في ظل أجواء التشكيك بنزاهة الانتخابات والدعوات التي بدأت تطلق منذ الآن لعدم الاعتراف بالنتائج في الشمال، الطريق أمام تواصل حالة التوتر السياسي في شمال السودان على الأقل خلال العام الأول من حكم البشير. عام أكثر من كاف بالنسبة إلى الحركة الشعبية، لضمان تقييد البشير بإجراء الاستفتاء في موعده ومن دون شروط.