خاص بالموقع - جنوب السودان هو إحدى أفقر مناطق العالم، حيث أرواح البشر هي أرخص شيء في جنوب السودان. ويعاني أربعة من كل خمسة أشخاص من الأميّة، ويموت واحد من كل خمسة أطفال قبل بلوغ الخامسة من العمر. لكن اقتصاد الجنوب انقلب رأساً على عقب منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 2005 بعدما استمرت 22 عاماً.وبفضل تدفّق عمال الإغاثة الأجانب وعائدات نفطية تتجاوز ملياري دولار في العام بموجب اتفاق السلام مع الحكومة المركزية في الخرطوم تحوّل الجنوب إلى إحدى أغلى المناطق في أفريقيا.
وفيما يفتش أطفال مشردون في أكوام القمامة الموجودة في شوارع جوبا عاصمة الجنوب البائسة، يحاول متجر كبير وحيد إرضاء أذواق نخبتها الجديدة ومعظم أعضاء هذه النخبة من المقاتلين السابقين في الجيش الشعبي لتحرير السودان.
وبما أن كل شيء يُنقل في شاحنات من كينيا المجاورة عبر طرق ترابية وعرة أو في زوارق عبر النيل من أوغندا فإن السلع اللازمة لإرضاء هذه الأذواق تأتي بثمن غير قليل. وفي جنوب السودان الذي تساوي مساحته مساحة تكساس لا تتجاوز الطرق المعبّدة 50 كيلومتراً.
وتبلغ تكلفة عبوّة من أرز (كيلوجز) المحمّص 24 جنيهاً سودانياً (9.20 دولاراً). ويبلغ سعر ليتر من مشروب (جوني ووكر بلو ليبل) الكحولي نحو 300 دولار.
ولا أحد يعرف عدد الأشخاص الذين يعيشون في المدينة، غير أن البعض يقول إنّ عدد سكانها بلغ ثلاثة أمثاله في الأعوام الخمسة الأخيرة، بسبب توافد عشرات الآلاف من الكينيّين والأوغنديّين لتحقيق مكاسب سريعة.
ويقول اموس نجاي، وهو سائق سيارة أجرة من نيروبي يأمل أن يساعده العمل لمدة عام في جوبا على إقامة مشروعه الخاص للنقل بالشاحنات، «جني 100 دولار صعب في كينيا، هنا سهل».
وليس الأفارقة وحدهم هم الذين يضعون أعينهم على الأموال.
ويتباهي عمال الإغاثة الأجانب الذين يتحصّنون وراء أسوار السلك الشائك، والحراس المسلحين في مخيمات شبه دائمة على ضفاف نهر النيل بأنهم يكسبون عشرة آلاف دولار شهرياً معفاة من الضرائب، فضلاً عن الاعتناء بجميع تكاليف معيشتهم.
وقال متعاقد أميركي يعمل في مجال الإغاثة وهو يحتسي الجعة الباردة في حانة على ضفاف النيل «تعلم ما يقولون... في أماكن مثل هذا لا يوجد سوى المبشّرين والمرتزقة وغير المنسجمين مع المجتمع. أنا؟ بالطبع أنا هنا من أجل المال وحسب».
وراوح روّاد الحانة الآخرون بين نشطاء مؤيدين للديموقراطية من المعهد الجمهوري الأميركي الدولي وجنود سابقين يقضون حياتهم في تتبّع الصراعات في أنحاء العالم ليزيلوا الألغام والقنابل التي لم تنفجر.
وحتى بالنسبة إلى الأشد بؤساً فإن تركة صراع أودى بحياة مليوني شخص قد تكون مسبّبة للاكتئاب.