كسر وزير الخارجيّة السوداني السابق، وزعيم الحركة الشعبيّة لتحرير السودان ـ التغيير الديموقراطي، لام آكول، رتابة السباق على منصب رئيس حكومة جنوب السودان، بإعلانه ترشيح نفسه في مواجهة زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، سلفا كير ميارديت
جمانة فرحات
في منافسة غير متكافئة وأشبه بالصراع بين أبناء البيت الواحد، يخوض زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ التغيير الديموقراطي، لام آكول السباق الانتخابي على رئاسة حكومة جنوب السودان في مواجهة رفيق السلاح السابق، سلفا كير ميارديت.
وقرار آكول خوض انتخابات الجنوب بمختلف مستوياتها ضمن تحالف يضم 12 حزباً جنوبياً، كان قد بدأ بالإعداد له منذ انشقاقه للمرة الثانية عن الحركة الشعبية منتصف العام الماضي، وإعلانه في حزيران 2009 تأليف حزبه الجديد بعد تجدد الخلافات مع قيادة الحركة على خلفيّة مواقفه حول عدد من القضايا، وفي مقدمها مسألة الوحدة بين الشمال والجنوب.
خلافات تفجرت مع اتخاذ الحركة قراراً بإقصائه من منصب وزير خارجية السودان في عام 2007 بعد قرابة سنتين من تسلّمه مهامه بوصفه أول وزير لخارجية السودان بعد التوصل إلى اتفاق سلام بين شريكي الحكم في البلاد. إلا أن آكول آثر الانتظار حتى اقتراب موعد الانتخابات للخروج نهائياً من صفوفها.
وخلال عمله في وزارة الخارجية، اتخذ آكول عدداً من المواقف لم تكن الحركة الشعبية راضية عنها، ما دفعها إلى اتهامه بالانحياز في مواقفه إلى الشمال، لا إلى الجنوب. ويصف آكول حركته التصحيحية بأنها جاءت لإنقاذ الحركة الشعبية من الانهيار تحت القيادة الحالية، التي اتهمها بالانغلاق وممارسة سياسات الإقصاء.
وانتقادات آكول الحادة للطريقة التي تدير بها الحركة الشعبية الحكم في جنوب السودان المتمتع بالحكم الذاتي، جعلت حملته الانتخابية عرضة لمضايقات الحركة الشعبية، التي لم تتوان سلطاتها عن اعتقاله ونائبه أحمد عبد الحميد والأمين العام للحزب شارلس برنابا بمطار ولاية واوا خلال جولاته الانتخابية. وسبق أن تعرض في عام 2008 لمحاولة اغتيال قتل فيها ثلاثة من مساعديه.
وعلى الرغم من التوتر الحالي في العلاقة مع الحزب الجنوبي الأقوى، لطالما اعتبر آكول من قياديي الحركة الشعبية لتحرير السودان التي شكّلت منطلق عمله العسكري. ويعدّ من أبرز الشخصيّات التي حاربت في الجيش الشعبي لتحرير السودان بعدما انضم إليها في عام 1986، قبل أن ينشقّ عنها للمرة الأولى في عام 1990. وأسّس آكول، الحائز الدكتوراه في الهندسة الكيميائية من جامعة لندن، حركة الفصيل الموحّد «لأنه رأى من ممارسات العقيد (جورج) غارنغ ضد الآخرين ما يوجب الرفض والتصحيح». واستمر في عمله العسكري سبع سنوات قبل أن يوقّع اتفاقاً أحادياً مع الحكومة السودانية في عام 1997 سمح له بالانتقال إلى العمل السياسي بتولّيه منصب وزير النقل، وانضمامه إلى صفوف حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
انضواء انتهى في عام 2002 إثر فتور في العلاقات بين آكول والأوساط الحاكمة السودانية، استتبع انسحابه من الحزب احتجاجاً على عدم تعيينه في مكتبه السياسي أو أي منصب قيادي آخر، وإن غلف الانسحاب باعتراضات على غياب الشفافية وعدم الالتزام بمبدأ الحريات الأساسية، والفشل في تنفيذ اتفاقات السلام الموقعة مع فصائل متمردة.
وعلى الأثر، أسس آكول إلى جانب عدد من المنشقّين حزباً جديداً تحت اسم «العدالة»، سرعان ما تعرّض بدوره للانشقاق، ما دفع آكول إلى إعلان عودته إلى صفوف المتمردين. عودة ترافقت مع عودة التنسيق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، ممهداً الطريق أمام تولّيه منصب وزير الخارجية.
وساهمت الانشقاقات المتواصلة التي طبعت مسيرة آكول، وتنقل بين عدة تنظيمات، باتهام خصومه له بأنه مزاجي ومتقلّب، إلا أن مواقفه في القضايا الرئيسية التي تواجه السودان تعدّ واضحة إلى حدٍ بعيد.
وتأييد آكول لاستفتاء تقرير المصير في الجنوب المقرر العام المقبل، لم ينعكس تأييداً للانفصال. ويرى آكول أن «الأوضاع الراهنة في المنطقة لا تساعد على الإطلاق في إقامة دولة ذات سيادة ومؤسسات حكم». كما أوضح أن اختيار الانفصال «سيكون بمثابة الانتحار، لأن حكومة الجنوب التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في حالة من الضعف الشديد».
وتعهد في برنامجه الانتخابي بتغيير الأوضاع في جنوب السودان، ولا سيما على الصعيد التنموي وإصلاح الخدمة المدنية العامة وتأهيل القوات المسلحة والشرطة.
كذلك تعهد بمعالجة كل الصراعات العرقية والقبلية وأعمال القتل في جنوب السودان عن طريق تحقيق المصالحة، من دون أن ينسى إبداء تشجعيه للحوار لحل مشكلة دارفور للسلام على أساس استحضار نموذج اتفاق السلام الشامل، الذي كان أحد المساهمين في التوصل إليه وألّف كتاباً تناول تفاصيله.
كذلك أيّد آكول، الذي اختار الشمال للإقامة الدائمة فيه، ترشيح الرئيس السوداني عمر البشير للانتخابات الرئاسية.
ودفعت هذه المواقف حزب المؤتمر الوطني إلى عدم ترشيح أي منافس لسلفاكير في الجنوب في العلن، مقابل دعم آكول بعيداً عن الأنظار. إلا أنه مع ذلك تبقى فرص فوزه في الانتخابات ضئيلة، ولكن يتوقع أن تحسم نتائج الانتخابات في الجنوب الحجم السياسي الحقيقي للام آكول وحركته بين الجنوبيين. فإما أن تعيد خلق الأوراق وإما أن تحافظ على «الستاتيكو» القائم حالياً.