سعيدة يابا
دبكة، أغنية، ميجانا، وخطاب سياسي ممزوج بلحن أغنية شعبية فلسطينية عنوانها «يا زارعين السمسم»: هو يوم الاحتفال بالأرض، وهو طبعاً، يوم جديد للعرض الفولكلوري من جهة، ولأغنية الراب الحديثة من جهة ثانية. خشبات المسرح دائماً تهتز تحت أقدام «الدبّيكة» وصدى صوت «الرابر المخيمجي» يصيح «ما فلسطين هي القضية»، أما الأرض نفسها، فتهتز هناك جراء صاروخ مسماري صُنع خصيصاً للفتك بأساسها وحرق موسم السمسم، لا بل «لعن أبو أبوه». هنا بيروت، وهناك القضية والأرض، هناك فلسطين.
اجتماعات للمناسبة، كتابة محاضر، كأس وسيجارة، قرارات وأخيراً استنتاجات: «لازم المسرح يساع فوق الألف شخص». أما الضيوف، فعلى أعلى مستوى من الارتباط بالأرض، فالعرس عرسها، ولو كانت هي كالعروس المنسية الخائفة من اغتصابها يوم دُخلتها، والكل من حولها يزغرد ويرقص. «شو يعني يوم الأرض؟»، ليس مهماً السرد التاريخي للأحداث وتنظيم حملات التوعية، المهم كيفية الاحتفال به كما جرت العادة سنوياً. يعني ابن المخيم لازم يغني راب عن معاناته، والصبية لازم تغني ميجانا لحنينها لأرضها، والشاعر لازم «يمشعِر» للقضية، والدبّيك لازم يرقّص الناس على دلعونا، والسياسي أو «يلي مفكّر حالو» سياسي يجب أن «يسفقنا» خطاباً رنّاناً عن فلسطين ويدافع عن الحق بالمقاومة حتى العودة. وبروتوكول الاحتفال والتنظيم يستدعي أربعة لجان، وتجّار القضية، ليس الكبار منهم بل حتى الصغار، الموكلين اليوم كما كل مناسبة باستنزاف الأغاني المستهلكة لكن بلحن وإيقاع وخطوات رقص تعبيري جديدة «لأن الناس بتحب تغيير الجو»، هذا بالإضافة إلى المتطوعين ممن تجدهم عادة الأوائل «بصفوف هيك قصص»، أو «يلي حابين يضيفوا نكهة جديدة» على كل نشاط. سألتني صديقتي: «غريب، ألست في لجنة تنظيم الاحتفال لهذه السنة؟ ما إلك بالعادة!» فأجبتها: «بتعرفي شو؟ لا غريب ولا شي. ببساطة، شعور سيئ لما بتكتشفي إن مجهودك أثمر والناس تجمهرت كما كنت تطمحين، لكنك نسيت الفكرة الأساسية التي جمعت الناس على أساسها! وكل من جاء، بمن فيهم أنا، لم يأتوا إلا ليرقصوا ويغنوا». ضحكت وقالت: «شو عدائية!» فكشّرت وقلت لها مصححة: «قصدك كم كنت غبية؟».
ومع ذلك، سأشارك ككل المشاركين في الاحتفال بيوم الأرض، فاصدقائي كلهم هناك كما جرت العادة سنوياً، وربما يجب أن نكون إلى جانب الصغار ممن لا تدرسهم الأونروا في كتابهم للتاريخ شيئاً عن فلسطين عامة، وبالطبع عن يوم الأرض. أما التوعية على معنى المناسبة «فخليها بالبيت»، في كتاب تاريخ إن وُجد أو فيلم وثائقي «إذا لقينا هيك شي سي دي بصبرا».
إيمان بشير

■ ■ ■

متل كل يوم أرض

يوم الأرض كان نتيجة استيلاء اليهود على المزيد من أراضي الفلسطينيين، ضمن خطة تهويد منطقة الجليل. أهالي هذه الأراضي قاوموا المشروع ووقف معهم فلسطينيو ما كان يسمى الخط الأخضر آنذاك، أي فلسطينيو 48، فتظاهروا وأعلنوا الأضراب، فكان أول عمل منظم يجتمع عليه معظم الفلسطنيون، ما أربك جيش الاحتلال، فاستخدم كل الوسائل لقمع هذا العمل، وكانت نتيجة المواجهة 6 شهداء. كان هذا عام 1976، ومذاك «وإحنا بنحي هاي الذكرى» لنثبت للعالم ولليهود تحديداً أننا لا ننسى. «بس ما مننسى شو؟» لا ننسى 30/3/1979. ولكن من النكبة إلى يومنا هذا، كل يوم هو يوم أرض وكل يوم هو يوم نكبة، و«منطلع منحكي» ظناً أنّه بالحوار أو بالتظاهر السلمي «بيمشي الحال»! «ما يلعن أبو هالعيشة! عدّوا معي: فارس عودة ومحمد الدرة وإيمان حجو، ألا يعد يوم استشهادهم يوم أرض؟ الحرب على غزة والحالة المزرية التي يعيشها الغزاويون مش يوم أرض؟ اعتقال الشباب كل يوم بحجج وبلا حجج مش يوم أرض؟ الحواجز التي تعترض حياتنا كل ساعة وبكل فلسطين مش يوم أرض؟ بناء المستوطنات في كل يوم وفي كل مكان من فلسطين مش يوم أرض؟ ما يحصل بالقدس حالياً، الذي بدأ منذ زمان طويل «مش يوم أرض»؟ تهجير الناس من بيوتها وهدم البيوت على رؤوس أصحابها مش يوم أرض؟ أصبحنا ننتظر المناسبات حتى نقول لا، وتظهر على الشاشات الشخصيات الفذّة لتوجّه التحيّات لأهلنا الصامدين في الأراضي المحتلة، وهي الشخصيات نفسها التي تساعد من جهة أخرى في بناء المستوطنات. هناك أمور أهم لنفعلها غير انتظار المناسبات، هي أن نجتمع و نبحث عن حل مشاكلنا السياسية بين بعضنا لكي لا تتكرر الحروب من أجل السلطة، السلطة على وزن جزرة يظهروها للدواب «عشان تمشي أسرع» وليصبح انتماؤنا إلى أحزابنا، لا إلى فلسطين.
حسام صلاح