أدلى السودانيون أمس بأصواتهم في اليوم الأول من الانتخابات التاريخية التي ستمثل اختباراً للوحدة الهشة في بلد منقسم جراء عشرات السنين من الحروب الأهلية، وسط حالة من الإرباك والفوضى.وشهدت الساعات الأولى من عمليات التصويت، التي ستستمر على مدى ثلاثة أيام، فوضى في مراكز الاقتراع. وأفادت تقارير بحدوث تأخيرات وخلط في بطاقات الاقتراع وعدم وجود بعض الأسماء على قوائم الناخبين في مناطق أخرى.
وفي الخرطوم، انتظر الناخبون في صفوف طويلة لأكثر من ساعة ليشاركوا في عملية التصويت المعقدة، لاختيار رئيس الجمهورية وأعضاء المجلس الوطني والوالي وأعضاء مجلس الولاية.
واصطف الرجال في طوابير منفصلة عن النساء، وطلب من الناخبين غمس إصبع في حبر أخضر اللون لا يمكن إزالته بسهولة قبل الإدلاء بأصواتهم.
واستغرق الرئيس السوداني، عمر البشير، عشر دقائق للإدلاء بصوته. وكان اللافت في معظم المراكز أن صفوف النساء أطول من الرجال، وأن معظم الناخبين من الشباب دون 30 عاماً.
وفي الجنوب، تعيّن على رئيس حكومة جنوب السودان، سلفا كير ميارديت، الانتظار عشرين دقيقة تحت شجرة حتى يفتح مركز الاقتراع. وأفسد ميارديت بطاقة اقتراعه الأولى عندما وضعها في الصندوق غير المخصص لها، لكنه أعرب عن أمله أن تكون الانتخابات «بداية تكوين العملية الديموقراطية في جنوب السودان». وأفاد أحد الشهود عن انتظار ما يصل إلى 300 امرأة لأكثر من ساعة في بلدة ملكال في جنوب السودان، فيما حاول المسؤولون تدبير عربات لتوصيل بطاقات الاقتراع.
أما في منطقة دارفور في غرب السودان، التي يُعَد الفوز فيها أساسياً للبشير، نقلت جماعات إغاثة موظفين من المناطق النائية إلى المدن تحسباً لوقوع اضطرابات، بعدما أعلن المتمردون مقاطعتهم للانتخابات.
وفيما أبدى بعض سكان الإقليم ندمهم على عدم التسجيل وإضاعة فرصة للتعبير عن رأيهم والمطالبة بحقوقهم، قالت إحدى اللاجئات، وتدعى عائشة آدم: «لا فائدة من الانتخابات للنازحين. نحن فاقدو الأمن والاستقرار، ولا يجوز أن نصوت لأي حزب».
في هذه الأثناء، قال الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، الذي يقود بعثة لمراقبة الانتخابات، بعد تفقده أحد مراكز الاقتراع: «لن تكون انتخابات مثالية».
وأضاف كارتر، الذي التقى أول من أمس الرئيس السوداني: «لكن إذا شعرنا بأنه خلال الانتخابات جرى التعبير عن إرادة الناخبين على نحو كاف، فإن هذا سيكون الحكم الأولي الذي سنصدره». ولفت إلى حدوث تأخير في إيصال المواد الانتخابية إلى بعض المناطق، مشيراً إلى أن لدى مفوضية الانتخابات «ثلاثة أيام لتصحيح الوضع».
وأعرب محللون عن اعتقادهم بأنه إذا «كانت الانتخابات سليمة قانونياً، فإنها لن تكون ديموقراطية وستزيد الاحتقان، وربما الاضطرابات»، بسبب مقاطعة أحزاب معارضة رئيسية لها، في مقدمتها حزبا الأمة والشيوعي اللذان اختارا المقاطعة الكلية، فيما اختارت الحركة الشعبية لتحرير السودان مقاطعة الانتخابات في الشمال.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم، الصحافي الطيب زين العابدين: «يخيل لي أنه بعد الانتخابات لن يكون هناك استقرار، وسيكون هناك مزيد من الاحتقان السياسي، فهذه الانتخابات لن تؤدي إلى التحول الديموقراطي». وأضاف: «فكأننا لا نزال في فترة العشرين سنة من حكم البشير الشمولي، لكن لديه الآن رخصة ديموقراطية».
بدوره، حذر الخبير لدى مجموعة الأزمات الدولية، فؤاد حكمت، من أن «القاعدة لخلق استقرار سياسي أصبحت على كف عفريت، لأن هذه الانتخابات لن تكون ذات صدقية، لأن هناك طرفاً أصر على أن تجري بأي صورة وبأي ثمن، وسيجعله هذا يتفاعل مع المعارضة بقوة لأنه سيكون قد كسب الشرعية».
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة أم درمان، عبد اللطيف البوني، فأوضح أن «الحكومة القادمة ستدعي أنها جاءت بشرعية نيابية وستكون أكثر ثباتاً مما هي عليه الآن وأقوى» في مواجهة الغرب والمحكمة الجنائية.
(أ ب، أ ف ب، رويترز)