ليس قرار إسرائيل بهدم عشرات البيوت في القدس الشرقية وحده ما يؤرّق المقدسيّين، بل أيضاً الأزمة «المتخيّلة» بين واشنطن وتل أبيب، لمخالفة الأخيرة كل القرارات، ودائماً على حساب القدس
فراس خطيب
الأزمة المتخيّلة بين واشنطن وتل أبيب تحوّلت في الآونة الأخيرة إلى «عنوان الصراع» في القدس، إلى حدّ صار فيه التعاطي مع ممارسات الاحتلال في المدينة المحتلة متعلّقاً بما يتمخّض عن القمم والشكليات والجلسات والمؤتمرات الصحافية.
فما الذي حدث منذ «بداية الأزمة» بشأن البناء والهدم في القدس بين الحليفين؟ لم يتغيّر شيء على أرض الواقع. إدانة البناء في القدس المحتلة لم تفلح في تحقيق حل واقعي لا للسكان المعزولين خلف الجدار، ولا للمهددّين بالهدم، ولا للواقعين تحت وطأة التمييز. وبات المشهد مثل مسرحية تدور على خشبة ضخمة يستمتع الجمهور بمشاهدتها.
وقد تجد وقائع الحقيقة عند جدار عازل يحجب الأفق، وأحياء مقدسية تقطعها سكة حديد تصل بين شرق المدينة وغربها، نيّاتها «تطويرية» لكنّها سياسية بامتياز لـ «توحيد» شقّي المدينة، وغيرها.
المعركة المتخيلة بين واشنطن وتل أبيب لم تهدأ بعد، ويطالب الأميركيون بوقف البناء في القدس. إلّا أنَّ رئيس بلدية الاحتلال اليميني نير بركات يئس من انتظار النهاية، وتوجّه إلى الشرطة بطلب هدم عشرات البيوت «غير القانونية» في القدس الشرقية المحتلة، كما أفاد الموقع الإلكتروني لصحيفة «يديعوت أحرونوت». وتشمل الأوامر هدم 20 بيتاً في حيّ سلوان، تسكنها عشرات العائلات، التي ستقام على ردمها «حديقة أثرية».
وإذا جرت الاستجابة لرئيس البلدية، فسيبدأ الهدم خلال الأيام القليلة المقبلة. وربما سيلتفت العالم إلى «الصراع الدبلوماسي» الذي سيتجدّد بين واشنطن وتل أبيب (كما تتوقع وسائل الإعلام العبرية في حال التنفيذ)، من دون الالتفات إلى ماهيّة الهدم، في أجواء تعويل على الدور الأميركيّ لإحداث تغيير.
أما البلدية، التي تمثّل بدورها السياسة الإسرائيلية العامة في مدينة الأسوار، فقالت إن الأوامر تأخرت إلى حين التصديق على ميزانية التطوّر العام للقدس، «الذي بضمنه موازنة مخصّصة للهدم».
إنَّ القصص العالقة في القدس المحتلة، والنيّات الإسرائيلية لجعل القدس المحتلة مركزاً عالمياً ضمن مخطط القدس 2020، أكثر صعوبة من «الحرب الدبلوماسية» القائمة في المؤتمرات الصحافية والتسريبات الإعلامية. وما يجري اليوم هو عزل الواقع عن ذاته وإكسابه صيغة البناء، وكأنّ البناء يعني ترتيب الطوب وشقّ الشوارع، علماً بأنّ «البناء» في اللغة المقدسية يعني تطهيراً عرقياً لأهل المكان الأصليّين.
في هذا الوقت، أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن بلدية القدس «تستعد للموافقة على بناء كنيس ومدرسة في حي جيلو الإسرائيلي في القدس الشرقية المحتلة، على أراض صودرت من فلسطينيّين». وأوضحت أن هذا المشروع «سيحصل على موافقة لجنة التخطيط والبناء في بلدية القدس الخميس (غداً)».
وأكّد رئيس اللجنة كوبي كالون وجود هذا المشروع، مشيراً إلى أن القرار «رسمي بحت إذ إن هذا المشروع أُطلق عام 1993، ثم بقي حبراً على ورق بسبب مشاكل مالية». وقال إنّ «من الضروري أن نتصرف بحذر ومسؤولية، لأن القدس مدينة قابلة للانفجار».
إلى ذلك، توالت ردود الفعل على القرار الإسرائيلي بإبعاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين عن وطنهم بذريعة عدم حملهم تصاريح عمل من سلطة الاحتلال، وقال رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، في مؤتمر صحافي، إنّ «الأمر العسكري الذي يهدف إلى إبعاد الفلسطيني أو إخضاعهم لملاحقات غير شرعي من كل وجهات النظر».
بدوره، رأى رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، أن القرار نسف كل جهود السلام والاتفاقيات وشرائع جنيف والقانون الدولي، وهو بمثابة «الميلاد الرسمي لظاهرة الانحطاط ونظام التفرقة العنصرية»، و«عقاب للرئيس محمود عباس وللدول العربية».
ودانت سوريا القرار الإسرائيلي بشدة. وأكّد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية أن هذا «القرار هو اعتماد لسياسة التطهير العرقي، وخطوة في الترحيل الجماعي الهادف إلى تفريغ الأرض من أهلها، ويمثّل خرقاً فادحاً للقانون الدولي وحقوق الإنسان، واستهانة بإرادة المجتمع الدولي وقراراته».
ودعا مجلس الجامعة العربية، في بيان أصدره عقب اجتماع عقده أمس على مستوى المندوبين، الفلسطينيين إلى «عدم الانصياع» لأمر الطرد الإسرائيلي. وأكّد «الدعم الكامل لتحرك الشعب الفلسطيني في الأراضي العربية المحتلة».