strong>فراس خطيبطقس أمس الحارّ، لم يمنع آلاف الفلسطينيين من التوجّه إلى ما بقي من قرية مسكة الفلسطينية ضمن مسيرة العودة السنوية. فمنذ 13 عاماً، صار هذا النشاط تقليدياً، وينطلق في اليوم الذي تحتفل فيه الدولة العبرية بـ «استقلالها». إنَّها محاولة من الفلسطينيّين ـــــ ضمن محاولات أخرى ـــــ لتسجيل روايتهم وذاكرتهم الحقيقيّة لتكون علامةً في أفق الأجواء الاحتفالية التي تسود البلاد، بحيث يسيرون موحّدين تحت شعار «يوم استقلالكم هو يوم نكبتنا».
مع عصر أمس، سار الآلاف كما في كل عام إلى أرض مسكة التي هُجرّ أهلها قسراً عام 1948، ورفعوا الأعلام الفلسطينية إلى جانب الأعلام السوداء، ولافتات تحمل أسماء القرى الفلسطينية المهجّرة، وساروا إلى ما بقي من أنقاض. كان الحضور الشبابي طاغياً على المشهد، هذا الحضور الذي يزداد من عام إلى آخر. «مشهد يبعث على الأمل»، كما قالت إحدى المتظاهرات. فالجيل الذي عاصر النكبة والتهجير نقل الرواية بما تحمله من أبعاد سياسية وإنسانية إلى جيل آخر حمل اسم قرية لم يعش فيها وسار إلى أنقاضها. وقد كان أيضاً مشهد aالعائلات الشابة لافتاً، حين يمشي الأب والأم والأطفال في مسيرة واحدة، ففي ذلك المشهد أبعاد أخرى رغم تواضعه، وقد يشدّك طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره، يحمل لافتة كتب عليها اسم «المالحة».

الجيل الذي عاصر النكبة والتهجير نقل الرواية بما تحمله من أبعاد سياسية وإنسانية إلى جيل آخر
انطلقت المسيرة من جانب مسجد عثمان بن عفان في مدينة الطيرة، واختُتمت في إحدى «ساحات» مسكة. وانطلق مهرجان خطابي افتتح بنشيد وطني وفقرة شعرية، وكلمات للجنة المهجرين التي تنظّم المسيرة بالتعاون مع لجنة المتابعة العليا. وقد شدّد المتحدث باسم أهل مسكة أن «لا سلام شاملاً وعادلاً إلا بتحقيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى موطنهم». كما ألقى رئيس لجنة المتابعة محمد زيدان كلمة شنّ فيها هجوماً على القوانين العنصرية التي تحاول المؤسسة الإسرائيلية سنّها مثل منع إحياء ذكرى النكبة. وتضمّنت الكلمات أيضاً أصواتاً تقدمية إسرائيلية تساند حق العودة والحق التاريخي للفلسطينيّين.
وقال النائب طلب الصانع من القائمة العربية الموحّدة بعد نهاية المسيرة إنَّ «أنقاض هذه القرية ترى بوضوح جرائم الصهيونية، ولا أحد يستطيع أن يثنينا عن إحياء هذه الذكرى وأن نذكر إسرائيل بجرائمها». كما قال النائب جمال زحالقة، رئيس كتلة «التجمع الوطني الديموقراطي»، «يجب أن نكشف للعالم بأسره أنّ استعمال كلمة «استقلال» هو خدعة كبيرة»، مضيفاً إنه «صحيح أن الانتداب البريطاني قد انتهى عام 48، إلّا أن من جاء مكانه أخطر منه بكثير، وهو مشروع استعماري عنصري، هو المشروع الصهيوني».
لقد تحوّلت هذه المسيرة منذ أعوام علامةً على أنَّ الفلسطينيين الباقين في وطنهم شهوداً على العصر، لن يتنازلوا عن روايتهم، ولم ينسوا أنَّ للاجئين القابعين قسراً خارج أرضهم حقّاً في العودة رغم محاولة الإسرائيليين الدائمة تجاهل الغبن التاريخي.