رام الله | شهدت مدينة بيت لحم، جنوبي الضفة المحتلة، في اليومين الماضيين، مسيرات ليلية غاضبة تندد بقمع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية لمسيرات مناصرة للمسجد الأقصى كانت قد خرجت في المدينة أول من أمس، وسط هتاف الغاضبين، في أمر يندر حدوثه، وهم يطالبون برحيل رئيس السلطة محمود عباس، وإقالة مدير شرطة المحافظة. ورغم أن قائد قوات الأمن الوطني اللواء نضال أبو دخان أصدر مجموعة من العقوبات بحق عدد من الضباط والعناصر الذين شاركوا في الاعتداء على شابين من مخيم العزة، لم يكف ذلك لإخماد غضب أهالي بيت لحم.
مصادر محلية في المدينة أكدت لـ«الأخبار» أن مسيرة أمس كانت في الأصل للتضامن مع الأسرى في سجون العدو الإسرائيلي، قبل أن تتحول إلى مسيرة تطالب عباس بالرحيل، وخاصة بعدما توجهت الحشود الغاضبة صوب مقر قيادة الأجهزة الأمنية في المقاطعة وباشرت شتم قوى الأمن ورشقها بالحجارة حتى فرقتهم الأخيرة بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء.
وكشفت تلك المصادر أن خلافات بين «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وحركة «فتح» في مخيم الدهيشة، جنوب شرق بيت لحم، تقف خلف تزايد حدة التوتر في المدينة، الأمر الذي أكده خروج عناصر محسوبة على «كتائب شهداء الأقصى» ــ «فتح» في المخيم للمرة الأولى منذ عام 2005، وهي تطلق الأعيرة النارية في الهواء، وقد حذرت في بيانها من المساس بالمؤسسة الأمنية. أمين السر لـ«فتح» في بيت لحم، محمد المصري، نفى أن تكون الخلافات بين «فتح» و«الشعبية» سياسية، قائلاً إنها ليست إلا «مناكفات بين أفراد التنظيمين يجري تطويقها... الفصيلان منذ بداية الأحداث أكدا أنه لا أزمة بينهما، وهذه المناكفات لا يمكن أن تؤثر في العلاقة التاريخية بينهما».
وأضاف المصري أن «الأحداث في بيت لحم انتهت مساء اليوم (أمس) بالتوافق على رؤية وطنية عامة في المحافظة تشارك فيها كل فصائل منظمة التحرير ومؤسسات السلطة، بما يكفل الاتفاق الحق في التظاهر في الوقت الذي يجرم فيه الاعتداء على المقرات الأمنية ورجال الأمن ومخالفة القانون والسلم العام».
وعموماً، فإن خروج المظاهرات بمطالبات «ارحل ارحل يا عباس» يعتبر تطوراً لافتاً في الضفة، خاصة أن قمع المسيرة جاء في الوقت الذي تظاهر فيه أهالي المدينة نصرة للأقصى، وفي ظل ذلك جاءت الاستجابة سريعة من السلطة. يتابع المصري أنه تم الاتفاق أيضاً على إنهاء «مظاهر التوتر بإشراف فتح والجبهة الشعبية، والتأكيد على أن لا شرعية إلا لسلاح السلطة، وأخيراً إنهاء ما ترتب على الأحداث السابقة، كقضية المعتقلين والملاحقات». في الوقت نفسه، عمد آخرون إلى إخراج مسيرات في بيت لحم، ومدينة جنين أيضاً (شمال)، ظهر أمس، مؤيدة لعباس، فيما عمد شبان مقرّبون من «حماس» إلى استغلال الموقف وتنظيم وقفات احتجاجية في قطاع غزة ومظاهرة مناوئة لـ«أبو مازن» تطالبه بالرحيل.
يرد المتحدث باسم الأجهزة الأمنية، اللواء عدنان الضميري، بأن «هناك من يحاول استغلال واقعة الاعتداء على الشابين لإحداث حالة من الفوضى، رغم رفض المؤسسة الأمنية وإدانتها ما جرى من انتهاك القانون بحق الفتى الذي تعرض للضرب والاستخدام المفرط للقوة». وأضاف: «قمنا بما هو واجب أخلاقي وقانوني ووطني، وتمت محاسبة من فعل هذا العمل إلى مستوى المحكمة العسكرية... أعتقد أن الموضوع إلى هذا الحد قد انتهى».
ورفض الضميري أن يشير بإصبع الاتهام إلى أي جهة يمكن أن تكون وراء أحداث بيت لحم أو كونها احتجاجات شعبية فعلاً، لكنه شدد على أن «القوى الوطنية رفعت الغطاء التنظيمي عن كل من يحاول الاعتداء على الأمن... كما طبّق القانون على الضابط الذي أساء استعمال صلاحيته، سيطبق أيضاً على المواطن الذي يسيء إلى مواطنته وإلى حقه في التعبير السلمي». وقلل في نهاية حديث من إمكانية تضخم القضية، بالقول: «من نفذوا الاعتداء على قوى الأمن بالحجارة والشتائم لم يتجاوز عددهم عشرين شخصاً».