وجد حيّ سلوان في القدس المحتلة، الذي يواجه التهويد وأوامر الهدم والبطالة والفقر، نفسه مجدداً في مواجهة زمرة يمينيين مدعومين بـ«الديموقراطية»، يعكرون الحياة غير الآمنة أصلاً في ذلك الحي
فراس خطيب
استفاق أهالي سلوان في القدس المحتلة، أمس، على جولة جديدة من الصراع، وكأنَّ أوامر الهدم التي تلوح في أفق عشرات بيوت الحي لا تكفي لإنهاك أهله.
أمس تصاعدت تحديّات أهل سلوان. كانوا على موعد مع مسيرة ينظّمها اليمينيون المتطرفون في الحي، المستهدف أصلاً من قبل الجمعيات الاستيطانية لتهويده. هذا الاستفزاز بات تقليداً في سياسة اليمين المتطرف، بدعم من المؤسسة الرسمية والمستشار القضائي للحكومة. مسيرة ضمن مسيرات استفزازية تتم باسم «الديموقراطية».
في ساعات صباح أمس الباكرة، بدأت شرطة الاحتلال استعداداتها. عشرات العناصر انتشروا بين أزقة الحي الضيقة، بينما كانت مروحية تابعة للشرطة تحلق في الأفق. سارت مسيرة اليمين من جانب حائط البراق (المبكى) باتجاه مركز سلوان، شارك فيها ما يقارب 50 شخصاً، رفعوا الأعلام الإسرائيلية ولافتات كتب عليها «شعب إسرائيل حيّ».
أهالي سلوان العالقون في بيوتهم لم يستقبلوا الشرطة ولا اليمينيين بالزهور: كانت الأعلام الفلسطينينة تطل من شبابيك البيوت، ورمى الأهالي الأحذية في الطرقات احتجاجاً على هذه الممارسات. أشعل أهالي سلوان عدداً من الإطارات، وألقوا الحجارة على الشرطة وعلى اليمينيين المتطرفين. انتهت المسيرة، إلا أنّ المواجهات بين الشرطة وأهالي الحيّ لم تنته وأدّت إلى جرح عنصرين من شرطة الاحتلال.
يسكن في سلوان ما يقارب 55 ألف مقدسي، معظمهم يعيشون في ظروف معيشية صعبة في أعقاب الاستهداف المتواصل لهم والمحاولات الإسرائيلية المكثفة لتهويد المكان. لقد نجح المستوطنون على مدار سنوات في الاستيلاء على بضعة بيوت في الحيّ، إلا أنّ الغالبية العظمى لا تزال صامدة. يعاني أهل الحي من تهميش متعمّد. بلدية الاحتلال لم تصدّق على بناء بيت واحد منذ احتلال المدينة، لكنّها صدّقت على أعدادٍ كبيرة من أوامر الهدم. كبر حي سلوان، وزاد عددّ سكانه، لكنّ أفقه ظل ضيّقاً، حيث رفضت البلدية منحهم تصريحات للبناء، ما دفع أهله إلى البناء «غير المرخص» بنظر السلطات. وتهدد البلدية في هذه الأيام تحديداً بهدم عشرات البيوت في الحي لبناء «حديقة سياحية». وقد تذرّع اليمين المتطرف في مسيرته هذه بأنه يتظاهر «ضد البناء غير القانوني»، وكأن القانون أنصفهم ذات يوم.
وكان المحامي زياد قعوار، الذي يمثل أهالي حي البستان في سلوان، قد قال عمّا يسمى «البناء غير القانوني» إن «من يقوم بأعمال غير قانونية هي لجان التخطيط (التابعة للبلدية) التي لم تمنح الفلسطيني تصريحاً واحداً للبناء، وتجبر أهل المكان على العيش وسط كوابيس آلات الهدم التي تصل عند الصباح. هذه اللجان تمنع عنّا حياة صحيّة نتيجة معايير سياسية متطرفة».
جاءت تظاهرة اليمين المتطرف متزامنة مع زيارة المبعوث الأميركي جورج ميتشل، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المطالبة بتأجيل المسيرة، ليس لأنه يعارض اليمين المتطرف برؤيته، بل تفادياً لـ«الحرج». إلا أنّ المستشار القضائي للحكومة، رفض الطلب وأبقاها كما كانت مقرّرة. وأعلن ايتمار بن غفير، أحد منظمي المسيرة اليمينية، «أتينا لنقول لـ(الرئيس الأميركي باراك) أوباما وميتشل إن القدس ملك الشعب اليهودي وليست للعرب».
ويعيش أهالي الحي في سلوان في مواجهة كل شيء، فعلاوةً على الاستهداف للمباني الذي يتّسع من يوم إلى آخر، علاوةً على الحفريات التي أدّت إلى تشققات في جدران بعض البيوت، فإنهم يواجهون صعوبات في تأدية حياتهم العادية التي تراوح بين الفقر والبطالة، كما أنّ الحياة تحوّلت إلى اعتصام كبير وخوف من آلة هدم قد تأتي حتماً.