دمشق | «الحرب جعلت عائلتي على الحديدة، لدرجة أننا لم نعد قادرين على استئجار غرفة صغيرة في مناطق العشوائيات لأن إيجارها يصل إلى 20 ألف ليرة شهرياً». بهذه الكلمات تختصر رهف، الشابة العشرينيّة المهجّرة، حال عائلتها.لم يخطر ببالها يوماً أنها ستضطر إلى المبيت في حديقة عامّة، غير أنّ الحرب المستمرّة التي أسهمت برفع إيجارات الشقق السكنية، حتى في مناطق العشوائيات، جعلت من ذلك أمراً واقعاً.

محسن معروف (أب لثلاثة أطفال) ابن مدينة جرمانا يشكو مرارة الواقع بعدما اضطر مع العديد من العائلات إلى السكن في بيوت «على الهيكل». «لم تكلّف الحكومة خاطرها بالسؤال عن أحوالنا»، يقول بحرقة. أمّا نعيم النقشبندي، فيشرح كيف اضطر بداية إلى الإقامة في أحد فنادق منطقة المرجة في دمشق لقاء 2500 ليرة يومياً. قبل أن تدفعه الأحوال المادية إلى السكن مع عائلته في منطقة الدويلعة داخل غرفة واحدة مقابل 15 ألف شهرياً.
تدهور العملة السورية والغلاء الفاحش أسهما في زيادة أسعار الإيجارات داخل المناطق «الآمنة نسبياً». يُخبر علي أحمد كيف أنّ «للأمان ضريبة عالية تُدفع للمستغلين... يصل إيجار البيت في حيّ الورود الشعبي إلى 35 ألف ليرة، وهو لم يكن يتجاوز سابقاً خمسة آلاف ليرة». في الإطار نفسه، تتحدث علياء: «المؤجّر يقوم كل ستة أشهر برفع الإيجار حتى وصل إلى 30 ألفاً». الأوضاع لا تبدو أفضل حالاً في «المناطق المنظّمة»، فقد تجاوزت الإيجارات الـ 100 ألف ليرة.

الحق على الحرب... وسعر الدولار

أصحاب البيوت لا يترددون في تحميل الحرب مسؤولية تضخّم أسعار الإيجارات. مصطفى يونس يملك منزلاً في منطقة المزّة الدمشقية، ويرى أن «الحقّ على سعر الدولار». يتساءل: «هل يُعقل أن أؤجرّ منزلي كما في السابق، بينما أسعار السلع تضخمت؟ لستُ جمعية خيرية. فلتوفّر الحكومة مسكناً للمهجرين أو لترفع الأجور».

بدأت الحكومة تنفيذ مشروع عدرا وستجهّز 800 شقة خلال ستة أشهر

شادي سليمة من حيّ الورود رفع إيجار منزله مُرفقاً ذلك بشروط عدّة: تقليل الأمتعة وعدم إحضار المُستأجر لأدوات كهربائية حتى لا ترتفع فاتورة الكهرباء!
مُقابل هذين النموذجين، هناك أبو عمار الذي لم يستغلّ شقته لجني الأرباح. يؤكد الرجل أن «العشرة آلاف التي أتقاضاها لقاء تأجير المنزل في الدويلعة كافية».
يشرح الخبير العقاري عمار يوسف واقع الإيجارات، مُشيراً إلى أن «الأزمة قسّمت العقارات إلى مناطق آمنة وغير آمنة»، الأمر الذي أسهم في أزمة هذا القطاع. يقول لـ«الأخبار» إنّ الإيجارات ارتفعت في المناطق غير الآمنة «من 7 إلى 10 أضعاف دون التمكن من ضبطها لكونها محكومة قانونياً. وهناك صعوبة في تحديد الأسعار لأن المؤجر يشترط دفع الإيجار كاملاً لمدة لا تزيد على ستة أشهر».

... وركود في مكاتب العقارات

مع تفاقم الأزمة الأسورية، بات مالكو العقارات يُفضلون تأجير عقاراتهم عبر معارفهم أو من خلال الإعلانات دون المرور بالمكاتب العقارية، الأمر الذي سبّب ركوداً في عملها. يتهم مالك مكتب عقاري في حيّ الورود، المالكين بأنهم «سبب ارتفاع الإيجارات لا المكاتب التي تتقاضى 2,5% من قيمة الإيجار».
أحد العاملين في مكتب «المازن» يقول إنّ الأفضل اللجوء إلى المكاتب من أجل التأجير «لضمان الحصول على معلومات دقيقة عن المستأجر ولإدخال أموال طائلة إلى خزينة الدولة، حتى ولو لم يسجل رقم الإيجار الصحيح في العقد لخفض نسبة الضريبة».
على الرغم من ذلك، يبدو صاحب مكتب «الغواص» العقاري مُرتاحاً لأنّ سوق الإيجارات مضبوط: «الاعتماد حالياً على بيع العقارات الذي انتعش سوقه بعد ازدياد عدد الراغبين في السفر».

مشاريع سكانية جُمّدت

أما بالنسبة إلى الحكومة السورية، فقد تأخّر إنشاء وحدات سكنية مخصّصة للمهجّرين تحت حجّة الحرب.
يشرح مدير فرع دمشق للشركة العامة للبناء والتعمير، المهندس محمد يونس، أنه «وقعنا مع الحكومة عقداً لتنفيذ وحدات سكنية في عدرا العمالية وحسياء لتضم 10 آلاف نسمة. لكن الاعتداءات الإرهابية على عدرا أوقفت تنفيذ 1200 شقة». لذلك، قدمت الحكومة «أرضاً بديلة في حرجلة لتنفيذ 724 شقة». حتى الساعة، أصبح هناك 300 شقة جاهزة للسكن «والبقية ستجهز قريباً». بدأت الحكومة أيضاً تنفيذ مشروع عدرا «بعد إعلانها منطقة آمنة وستكون 800 شقة جاهزة خلال ستة أشهر».
يونس يمتدح المساكن المُصممة «بشكل لائق. مساحة الشقة تبلغ 31 م²». وهو يرى أن «انخفاض الضغط السكاني سيقلّل من حدة أزمة الإيجارات، خاصّة مع التوجّه لإعادة إعمار المناطق المهدّمة».
هذه الحلول لا تلقي آذاناً صاغية لدى عمار يوسف الذي يُحمّل «الحكومات المتعاقبة مسؤولية تفاقم الأزمة لعدم إيلائها العناية المطلوبة، فتكاثرت مناطق السكن العشوائي وبلغ حجم الفساد ستة مليارات ليرة». وهو يتّهم المؤسسة العامة للإسكان ووزارة الإسكان بـ«التقصير نتيجة الترهل الإداري. هي لم تُقدم أكثر من 8 آلاف عقار على مدى 10 سنوات»، مُطالباً إياها بـ«إيجاد مدن سكنية جديدة يخصص بعضها لمتوسطي الدخل وذوي الشهداء، إضافة إلى إعفاء مواد البناء من الجمرك وإيجاد مشاريع مخصصة للإيجار، وليس للمضاربة بيعاً وشراء».