في وقتٍ يزداد فيه عجز الحكومة اليمنية عن مواجهة تنظيم «القاعدة»، تتصاعد المخاوف من تحوّل البلاد إلى نموذج مطابق للعراق، بعد التحذير من محاولة الولايات المتحدة استنساخ تجربة «الصحوات». تجربة ستجرّ البلاد إلى أتون لا ينتهي من الصراعات، وخصوصاً في ظل النفوذ اللامتناهي الذي تتمتع به القبائل، وتأمين العديد منها الحماية لعناصر التنظيم
جمانة فرحات
أعادت محاولة اغتيال السفير البريطاني في اليمن، تيموثي تورلوت، على يد انتحاري من عناصر «القاعدة»، تسليط الضوء على هذا التنظيم في البلاد، بعد قرابة أربعة أشهر من تبنيه محاولة تفجير طائرة أميركية فوق ديترويت، ليبرهن عقم محاولات السلطات اليمنية في القضاء عليه.
والرسالة التي أراد «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» إيصالها هي أنه «لا يزال هنا وأن بوسعه مهاجمة مصالح دولية عندما يريد»، وفقاً للأستاذ الزائر في معهد بروكنغز في الدوحة، باراك بارفي. رسالة ساهمت في إمرارها قدرته على المحافظة على ترابط صفوفه على الرغم من الحملة الأمنية التي شنتها السلطات تحت ضغوط دولية منذ مطلع العام الجاري.
وبيّنت تجربة الإمام اليمني الأميركي المتشدد، أيمن العولقي، إلى أيّ حد تعتبر المناطق القبلية في اليمن، الملاذ الأكثر أمناً لعناصر التنظيم وتحول دون تعرضهم لمحاولات إلقاء القبض عليهم.
وفي الثامن من الشهر الجاري، حذرت قبيلة العوالق من أي استهداف للعولقي، الذي وافقت السلطات الأميركية على القيام بعمليات لاعتقاله أو قتله بعدما وصفه البعض بأنه يمثل أكبر تهديد إرهابي لأميركا، على خلفية ارتباطه بمنفذ محاولة الهجوم على الطائرة الأميركية فوق ديترويت، عمر فاروق عبد المطلب، والرائد الأميركي الذي قتل زملاءه في قاعدة فورت هود، نضال مالك حسن.
ملاذ آمن لا غنى عنه، دفع العولقي إلى التحذير من محاولة الولايات المتحد تشكيل قوات قبلية مسلحة لمحاربة «القاعدة» في اليمن على شكل «الصحوات» في العراق «ليصبح أهل البلد يتقاتلون في ما بينهم والأميركيون يتفرجون عليهم».
ومرد تحذير العولقي يعود بالدرجة الأولى إلى الخوف من خسارة التنظيم، الذي ينتمي العديد من عناصره إلى هذه القبائل، للمكاسب التي حققها في الوجود داخل المجتمعات القبلية في اليمن. وجود تأمّن عبر استراتيجية التغلغل التي اعتمدها «القاعدة» والقائمة بالأساس على الروابط الأسرية، إلى جانب اللعب على وتر خلافات القبائل مع السلطات اليمنية.
وفي شباط 2009، دعا زعيم «القاعدة في جزيرة العرب»، ناصر الوحيشي، القبائل إلى مقاومة الضغط لمنع السيطرة على أراضيهم بقوله إن السلطات تهيّئ لحملة عسكرية لضرب «القبائل بحجج واهية كاذبة، مقصدها الحقيقي كسر هيبة القبائل، ونزع سلاحها والسيطرة على أرضها».
الروابط الأسرية وخلافات القبائل مع السلطات سمحت بتغلغل «القاعدة»
وعلى هذا المنوال، دعا الرجل الثاني في «القاعدة»، أيمن الظواهري، قبائل اليمن إلى التمثل بقبائل باكستان وأفغانستان، وتوفير الدعم للتنظيم. وتوجه إليهم بالقول «أخاطب القبائل اليمنية النبيلة والشجاعة، وأقول لها لا تكونوا أقل من إخوانكم في قبائل البشتون والبلوش الشجاعة الذين أعانوا الله ورسوله، ودوّخوا أميركا والصليبيين في أفغانستان وباكستان». وأضاف «يا قبائل اليمن الكريمة والشجاعة، لا تكونوا عوناً لـ(الرئيس اليمني) علي عبد الله صالح، عميل الصليبيين. كونوا عوناً وسنَداً لإخوانكم المجاهدين».
هذه الدعوات وترافقها مع تحريض على الغبن الذي يلحق بالقبائل في الجنوب، نتيجة استغلال «النفط في مناطق مثل شبوة وحضرموت ومأرب من قبل الحكومة والغرب»، وعدم استفادة السكان منها، إضافة إلى المطالب الانفصالية المنتشرة في الجنوب، لقت صداها لدى العديد من شيوخ القبائل الذين أعلنوا رفضهم لأن يتحولوا إلى «أداة بيد السلطة في حربها» ضد «القاعدة».
وقال رئيس مجلس قبائل بكيل للسلم والإصلاح، الشيخ عرفج بن حمد بن هضبان، «لسنا موظفين عند الحكومة لنلاحق المشتبه في انتمائهم للقاعدة؛ فالدولة تملك أجهزتها الأمنية الخاصة التي يمكن أن تؤدي هذه المهمة».
ومن هذا المنطلق، فإن أي محاولة لإنشاء صحوات يمنية في البلاد لن تكون مهمة سهلة، وستترتب عليها تداعيات سلبية على الساحة اليمنية التي تعاني أصلاً ما يكفيها من التفكك، منذرةً بتحول البلاد إلى برميل بارود يتفجر في وجه الجميع من دون استثناء.
ويحذر بعض الخبراء من وجود قواسم مشتركة بين العالمين القبلي والجهادي في اليمن، إذ «يتشاركان في المشاعر المعادية للأميركيين والحذر إزاء الحكومة، إضافة إلى حسّ حماية الضيف وتمجيد الجهاد». هذا إلى جانب الكميات الهائلة من الأسلحة التي تمتلكها القبائل، ما دفع أحد الدبلوماسيين الغربيين في صنعاء إلى الحديث عن وجود «سلطتين موازيتين» في اليمن. وأوضح «أن السلطة القبلية، وهي الأقدم، تتمتع بنفوذ أكبر وهي في بعض المناطق حاضرة أكثر بكثير من الدولة ولها قدرات عملانية أكبر بكثير من قدرات الدولة».
سلطة ازدادت نفوذاً خلال السنوات الماضية في ظل الوهن الذي تعانيه سلطة الرئيس اليمني بسبب المشاكل السياسية المنتشرة في البلاد شمالاً، حيث الحروب التي لا تنتهي مع الحوثيين، وجنوباً حيث مشاعر الانفصال والدعوات إلى فك الارتباط بين شطري البلاد تتصاعد مع مرور الأيام.
مشاكل يبقى المستفيد منها تنظيم «القاعدة» من جهة، والقبائل من جهة ثانية، التي لطالما كانت رقماً صعباً في التاريخ اليمني.
وتتحدث أستاذة العلوم السياسية في جامعة زيوريخ السويسرية، إلهام مانع، في ورقة بعنوان «اليمن: القبلية والدولة» عن وجود فترتين من تاريخ اليمن السياسي المعاصر تسلّطان الضوء على العلاقة بين الدولة والقبائل في شمال اليمن، فصل بينهما عام 1962، الذي شكل بداية لتجسد الدولة في القبائل على الرغم مما شكله النفوذ القبلي من تعزيز لعدم استقرار للنظام السياسي في البلاد.
فخلال فترة عهد الدولة المتوكليّة (1911- 1962) كانت الدولة قوية بما فيه الكفاية للسيطرة على القبائل. إلا أن أساليبها في التعامل مع القبائل لم تكن كافية لتحقيق ادماج فعلي للقبائل في النظام السياسي.
ووفقاً لمانع، حاول الإمام يحيى الزيدي ومن بعده الإمام أحمد، اتباع سياسة العصا والجزرة مع القبائل. فمن جهة كانا بحاجة إلى القبائل المنافسة لتدعيم سلطتهم الشخصية، لكنهم كانوا أيضاً مصممين على إبقاء القبائل ضعيفة بما فيه الكفاية بحيث لا يمكن أن تصبح خطراً على سلطة الإمامة.
وطبقت سياسة العصا عبر تقنيّتين، الأولى هي نظام الرهائن وتمثلت بإبقاء الإمام عدداً من أبناء وإخوة زعماء القبائل كرهائن في العاصمة صنعاء، والثانية اتّباع مبدأ «فرق تسد». ولم تأل الإمامة جهداً لخلق الصراعات والحروب المستمرة بين القبائل وتقليب بعضها على الآخر.
في المقابل، كانت الجزرة على شكل إعانات مالية شهرية تدفع للمشايخ من حاشد وباكيل، بالإضافة إلى تجنيد أبناء هذه القبائل في صفوف الجيش.
وهذه السياسات المتبعة ساهمت في بروز حركات احتجاجية بدءاً بعام 1948، حين اغتيل الإمام يحيى في ما عرف آنذاك بـ«الانقلاب الدستوري». انقلاب لم يكتب له النجاح بعدما قاد ولي العهد أحمد انقلاباً مضاداً وضع حداً للحكم الدستوري الذي لم يستمر سوى 25 يوماً قبل أن يتولى أحمد الحكم خلفاً لأبيه.
وحافظت القبائل على كياناتها المستقلة بقيادة شيوخها، وكان الولاء للقبيلة يأتي في المرتبة الأولى على الرغم من انضمام البعض إلى القوات الحكومية، مبرهنين بذلك أن الدولة لم تكن بالنسبة إليهم سوى مصدر للحصول على عائدات اقتصادية.
إلا أن نقطة التحول الحقيقية جاءت مع وفاة الإمام أحمد في التاسع من أيلول عام 1962، وخلافة ابنه الإمام بدر له، الذي لم يصمد أمام ثورة 25 أيلول، التي شكل نجاحها بداية لإدماج القبائل في الدولة على الرغم من أن النفوذ القبلي عزز من عدم الاستقرار السياسي للنظام.
النفوذ القبلي من عوامل عدم استقرار النظام السياسي في البلاد
فالدولة الجمهورية حديثة العهد، نشأت محاطة بجيران معادين لم يستسيغوا طابعها الجمهوري، وساهموا على نحو مباشر في حرب أهلية بين الملكيين ـــــ بدعم من المملكة العربية السعودية ـــــ والجمهوريين بمساعدة من مصر.
حرب لم تضع أوزراها إلا في نهاية الستينيات بانتصار الجمهوريين.
ومع انتهاء الحرب، برزت القبائل كقوة مستقلة اقتصادياً، وقوية بما يكفي للتأثير على النظام السياسي. وباتت القبائل وزعماؤها يتوغلون بشكل فعال في مؤسسات الدولة ليمثّلوا الغالبية فيها، بدءاً من الجيش والهيئات التشريعية والتنفيذية، وصولاً إلى النظام السياسي ككل. وانعكس قوة ونفوذ القبائل رفضاً لأي محاولة لقيام دولة حديثة.
ودفع رئيس اليمن السابق، ابراهيم الحمدي حياته ثمناً لانتهاجه سياسة معادية للقبائل ومحاولته الحد من سلطتها، لتكون عملية اغتياله درساً قاسياً، لم يجرؤ بعد ذلك أي من الذين أعقبوه على تكرار تجربته.
ولم يقتصر دور القبائل ونفوذها على إضعاف قيام دولة يمنية حديثة، بل إن دورها كان مركزياً في جذب التدخل الخارجي في الشؤون اليمنية، وتحديداً الجانب السعودي. فالسعودية سعت دائماً إلى جعل قبائل اليمن الشمالي تعتمد مالياً عليها، من خلال المساعدات السنوية للميزانية الحكومة المركزية، كما من خلال التقديمات المالية للقبائل الأكثر نفوذاً في البلاد، مشجعةً إياها على الاستقلال عن الدولة.
أما في الجنوب، الذي كان خاضعاً للاستعمار البريطاني منذ عام 1839، فكان للقبائل دور أقل. وساهم الاستعمار البريطاني في تمييز الشمال عن الجنوب من جهة، وتقسيم المناطق في الجنوب في ما بنيها من جهةٍ ثانية.
وانعكس الوجود البريطاني في عدن في جعلها أكثر عصرية عبر توفير البنى التحتية والخدمات الاجتماعية، والسماح بظهور الصناعات الصغيرة. وهو ما حجّم من أي دور للقبيلة وساهم في ظهور طبقة متوسطة بديلة ومؤثرة. أما المناطق النائية، فجرى تجاهلها إلى حد كبير، وتركت شؤونها الداخلية للحكام المحليين. وكان دور القبائل في المناطق النائية أكثر وضوحاً، على الرغم من أنها لم تكن تمارس تأثيراً سياسياً كما في الشمال. دور ساهم فيه امتلاك زعماء القبائل معظم الأراضي في المناطق التي يحكمونها، وتحديداً في حضرموت، ليشكلوا إلى جانب نفوذهم القبلي قوة إقطاعية.
وبقيت الأوضاع على هذه الحال إلى أن نال جنوب اليمن استقلاله عن بريطانيا في عام 1967. وترافق نيل الاستقلال مع تبني الجنوب العقيدة الماركسية التي كانت تدين القبيلة بوصفها مرادفاً للإقطاع. وهو ما انعكس ملاحقة للملاك الإقطاعيين، وتوتيراً للعلاقة بين الطرفين.
إلا أن ملاحقة زعماء القبائل لم تنجح في جلب الاستقرار لليمن الجنوبي. وبقيت العلاقة بين القبائل وسلطات الجنوب متوترة إلى أن جاء قرار توحيد اليمن ومن ثم محاولة فك الوحدة والحرب الأهلية التي شهدها شطرا البلاد لتجعل للقبائل دوراً مؤثراً في مرحلة ما بعد الوحدة.
ووسط اعتقاد متزايد بأن الدولة اليمنية تحاول تقليب القبائل، إن في الشمال أو الجنوب، ضد بعضها، أقدمت القبائل على تنظيم المؤتمرات القبلية الرسمية بين عامي 1990 و1994، كان الهدف منها وضع الخلافات جانباً، ولتأكيد الهوية القبلية في اليمن، تحت شعار «اليمن هو القبائل والقبائل هي اليمن».
إلا أن انتهاء الحرب بين شطري البلاد في عام 1994 وحسم الأمور لمصلحة الإبقاء على الوحدة، ساهمت في إحكام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح سيطرته على البلاد ليحجّم كثيراً من نفوذ القبائل لمصلحة شخصه، وإن كان العديد من قادة هذه القبائل يقومون بأدور سياسية في البلاد اليوم في ما يشبه تبادل أدوار، بحيث تكون الدولة في الوسط والقبائل في محيطها، من دون أن يمنع ذلك من وجود توترات وتصارع استغله تنظيم «القاعدة» ليتمدد في مناطق نفوذ القبائل، مجيداً اللعب على التناقضات.


سفير أميركي باستراتيجية باكستانية

كشفت أمس صحيفة «26 سبتمبر» التابعة لوزارة الدفاع اليمنية عن تعيين الولايات المتحدة سفيراً جديداً لها في صنعاء خلفاً للسفير الحالي ستيفن سيش. وكان لافتاً ما نقلته مصادر مطلعة من أن السفير المعين، جيرالد أمفرستاين، شغل آخر منصب له كنائب سفير في باكستان، ما يعزز من التقارير التي تتحدث عن محاولات السلطات الأميركية نقل تجاربها في محاربة تنظيم «القاعدة» في كل من أفغانستان وباكستان والعراق إلى اليمن.
وتزامن هذا الإعلان مع تكرار السلطات اليمنية القول إنها ستواصل الحرب على الإرهاب لاجتثاث تنظيم «القاعدة».
وفي بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، رأت وزارة الداخلية اليمنية أن الاعتداء الفاشل الذي طال السفير البريطاني، تيموثي تورلوت، يكشف عن «عمق حالة اليأس والعزلة التي يعانيها تنظيم القاعدة في اليمن ومدى فشله في الظهور والتعبير عن نفسه».
(يو بي آي)